في قلب كل مسلم، أمنيةٌ عظيمةٌ تحلق في سماء مكة، وهي فريضة الحج إلى بيت الله الحرام. تُعدّ هذه الرحلة المقدسة ركنًا من أركان الإسلام، واجبةً مرةً واحدةً في العمر على كل مسلمٍ ومسلمةٍ يملكون القدرة والاستطاعة البدنية والمالية، وأن يكون الطريق آمناً. ويُحثّ المسلم على الإسراع في أدائها بمجرد توفر الشروط. تبدأ رحلة الحج بالنية الخالصة لله تعالى. على الحاج أن يحرم من الميقات المحدد لقدومه، وهي نقاط جغرافية لا يجوز تجاوزها دون الدخول في الإحرام. من هذه المواقيت: ذو الحليفة لأهل المدينة، والجحفة لأهل الشام ومصر، وقرن المنازل لأهل نجد، ويلملم لأهل اليمن، وذات عرق لأهل العراق. عند الميقات، يدخل الحاج في الإحرام. يستحب أن يغتسل، ويتطيب قبل نية الإحرام. يلبس الرجل إزاراً ورداءً أبيضين نقيين غير مخيطين، بينما تلبس المرأة أي ثياب واسعة تريد. ثم يعقد النية ويُعلن التلبية: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك". في هذه الحالة المباركة، يصبح الحاج في حالة خاصة يمتنع فيها عن محظورات معينة مثل قص الأظافر، وحلق الشعر، واستعمال الطيب، وتغطية الرأس للرجال، ولبس المخيط لهم، وتغطية الوجه والكفين بالقفازات للنساء، والصيد، وعقود الزواج، والجماع. هناك ثلاثة أنواع للحج: الإفراد، والقران، والتمتع. أفضلها هو حج التمتع، حيث يؤدي الحاج العمرة أولاً ثم يتحلل منها، ثم يحرم للحج من مكة في أيام الحج. بعد الإحرام، يتوجه الحاج إلى مكة، ويفضل دخولها نهاراً. عند وصوله، يقصد الكعبة المشرفة ليقوم بـطواف القدوم. هذا الطواف يتكون من سبعة أشواط، يبدأ كل شوط وينتهي عند الحجر الأسود، مع جعل الكعبة عن يساره. يسن للرجال الرمل (الإسراع في المشي) في الأشواط الثلاثة الأولى. بعد الطواف، يصلي الحاج ركعتين خلف مقام إبراهيم، ويُستحب أن يشرب من ماء زمزم المبارك. يشترط لصحة الطواف النية والطهارة وستر العورة. يلي الطواف السعي بين الصفا والمروة. يبدأ الحاج من الصفا ويصعد عليه، ثم يتوجه إلى المروة، وهكذا سبعة أشواط، صاعداً على كل جبل. ويسن للرجال الهرولة بين الميلين الأخضرين. بعد السعي، إذا كان الحاج متمتعاً بالعمرة، يتحلل منها بـحلق أو تقصير شعره. حلق الشعر أفضل للرجال، أما النساء فيقصرن فقط من أطراف شعورهن. في اليوم الثامن من ذي الحجة، المعروف بـيوم التروية، يتوجه الحجاج إلى منى، ويصلون هناك الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر. ومع فجر اليوم التاسع، وهو يوم عرفة العظيم، يتوجهون إلى عرفات. الوقوف بعرفة هو الركن الأعظم للحج، ويمتد وقته من بعد صلاة الظهر وحتى غروب الشمس. يجمع الحجاج صلاتي الظهر والعصر قصراً وجمعاً في عرفات. يجب أن يبقى الحاج في عرفات حتى غروب الشمس. بعد غروب شمس يوم عرفة، يتوجه الحجاج إلى مزدلفة. هناك، يجمعون صلاتي المغرب والعشاء، ويبيتون ليلتهم، ثم يصلون الفجر في مزدلفة. في فجر اليوم العاشر، وهو يوم النحر، يتحركون إلى منى. أول عمل يقومون به هو رمي جمرة العقبة الكبرى بسبع حصيات. بعد الرمي، ينحرون الهدي (الأضحية) إن كان عليهم، ثم يحلقون أو يقصرون شعرهم. وبإتمام هذه الأعمال، يكونون قد أتموا التحلل الأول، فيحل لهم كل شيء إلا النساء. ثم يتوجهون إلى مكة لأداء طواف الإفاضة (ويسمى أيضاً طواف الزيارة)، وهو ركنٌ أساسي من أركان الحج. بعده، يؤدون السعي بين الصفا والمروة. بهذا يكتمل التحلل الثاني، وتُحل لهم جميع المحظورات، بما في ذلك النساء. يعود الحجاج إلى منى ليقضوا فيها أيام التشريق. في هذه الأيام (الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة)، يرمون الجمرات الثلاث كل يوم، كل جمرة بسبع حصيات، مرتبين: الجمرة الصغرى، ثم الوسطى، ثم الكبرى. يمكن للمتعجل أن يغادر منى بعد رمي اليوم الثاني عشر، ولكن الأفضل أن يبقى ليرمي في اليوم الثالث عشر. في نهاية رحلتهم، وقبل مغادرة مكة، يؤدون طواف الوداع، ليكون آخر عهدهم بالبيت الحرام. وهو واجب على كل من يغادر مكة. وفي بعض الحالات الطارئة أو المخالفات:

إذا خالف الحاج شيئاً من محظورات الإحرام، فهناك فداءٌ لذلك.
مثلاً، الجماع قبل التحلل الأول يبطل الحج ويلزم ببعير وإتمام الحج ثم قضاؤه.
أما محظورات مثل الطيب أو حلق الشعر أو قص الأظافر، ففيها فدية تُخير بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة.
إذا مُنع الحاج من إتمام حجه لمرض أو عدو (الإحصار)، يُذبح شاة ويتحلل.
إذا مات الحاج قبل إتمام حجه الواجب، جاز لمن استطاع أن يؤدي الحج عنه (حج البدل).

بعد تمام هذه الفريضة العظيمة، يسن للحاج أن يزور المدينة المنورة، ويزور المسجد النبوي الشريف. يدخله بالطهارة، ويسن له الدخول من باب جبريل، ويصلي ركعتين في الروضة الشريفة. ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. ثم يزور البقيع وشهداء أحد. وهكذا، يكمل الحاج رحلته الروحية، عائداً إلى دياره بقلب نقي وذنب مغفور، وحجٍ مبرور.

ثلاث رسائل في مناسك الحج والعمرة