بينما المقتلة مستمرة ينشغل الناس في الأردن بمناظرات ومناقشات وجدالات عقيمة عن ظاهرة الضرائب والرسوم التي تفرضها الحكومات المتعاقبة لترفع منسوب الدين الى أطراف أنوف الناس الذين يقفون على رؤوس أصابعهم في بحر الأعباء المادية والضريبية.
أبلغ ما قيل في هذا المقام هو جملة ابن خلدون في مقدمته الشهيرة:
"اعلم أنّ الجباية إذا كثرت أضرّت بالعمران، وأفسدت سُبل الكسب والمعاش."
فمن وجهة نظره، تقوم الدولة الفتيّة على البساطة في الجباية، والرفق في التحصيل. فإذا استقرت أركانها وذاقت طعم الرفاه، تسلّل الإسراف إلى إدارتها، وبدأت تفرض الضرائب الثقيلة لسدّ نفقات لا تنتهي. فيُصاب الناس بالركود، ويضعف الإنتاج، وتتدهور موارد الدولة، فتزيد من الضرائب مجددًا، فيدخل الجميع في دوامة الخراب.
ما قاله ابن خلدون في القرن الرابع عشر، يُقابله اليوم ما يُعرف في علم الاقتصاد بـ"منحنى لافر" (Laffer Curve)، والذي ينص على أن هناك مستوىً مثاليًا للضريبة، يُحقق أعلى دخل ممكن للدولة. فإذا زادت الضريبة عن هذا المستوى، تقلّ الحوافز للعمل والاستثمار، وتنخفض الإيرادات، تمامًا كما وصف ابن خلدون منذ قرون.
من جهتهم أشار الخبراء في الأردن الى خطورة السياسات الاقتصاجبائية التي تنتهجها الحكومات الأخيرة في الأردن مما أدى الى ارتفاع الدين العام بنسبة 25% بحسب الخبير (عامر الشوبكي). أما ماهر المدادحة فأكد أن نصف الأسر الأردنية تعاني من تدني الدخل وأنها لا تستطيع تحمل أي زيادات في الرسوم أو إضافات ضريبية.
عن مشروع قانون الابنية والأراضي الجديد نفى أمين عمّان يوسف الشواربة وجود ضرائب جديدة مشيراً الى ان الهدف هو (تحديث النظام الضريبي) لكن الخبير منير ديّة أكد على ان غياب الشفافية في نصوص القانون يعمق فجوة الثقة بين الحكومة والمواطنين حيث إنهم تعودوا أن كل تعديل جديد هو عبء ضريبي جديد.
إن عبقرية ابن خلدون لا تتجلى فقط في دقة تشخيصه الاقتصادي، بل في رؤيته الكليّة التي تربط الاقتصاد بالعمران، والعمران بالسياسة، والسياسة بالأخلاق. فالضريبة ليست رقماً في دفتر، بل مؤشر لنبض المجتمع والدولة معًا.