في زمن "الترند"، صارت السخافة هي العملة الصعبة. لم يعد يهم أن تكون موهوباً أو مثقفاً أو حتى مثيراً للجدل بذكاء.
السخافة اليوم وباء. يكفي أن تفتح تيك توك أو إنستاغرام لتكتشف أن ملايين البشر صاروا يتسابقون على لقب "المهرّج العصري" أو "مهرّجة الأسبوع". لا أحد يخجل من أن يبيع نفسه بالابتذال، أو أن يضحك الآخرين على حساب كرامته. على العكس، صار الأمر بطولة: كلما زادت قدرتك على إذلال نفسك أمام الكاميرا، كلما ارتفعت أسهمك وصرت "مؤثراً" يُحسب له حساب.
لم تعد الشهرة مرتبطة بالمواهب، أو حتى بالأفكار. الشهرة اليوم تُقاس بعدد المشاهدات، وهذه المشاهدات تُترجم مباشرة إلى مال. المال السهل، المال السريع، المال الذي لا يحتاج سوى إلى قليل من الجرأة على هدم آخر الحواجز بين الخصوصي والعام، وبين الجد والمهزلة.
أشاهد هذه العروض اليومية وأشعر بالشفقة. ليس لأنني أنتمي إلى زمن مختلف أو لأنني أنظر من علٍ، بل لأنني أرى إنساناً يسلخ نفسه من إنسانيته ليصير منتجاً قابلاً للتسويق. أرى شباناً وشابات يحوّلون أنفسهم إلى دمى، دمى يحركها الخوارزم ويرميها متى انتهت صلاحيتها.
المأساة أن هذه "الثقافة" لم تعد هامشية. لقد أصبحت هي النموذج، وهي المثال الذي يُحتذى. أجيال كاملة تكبر اليوم على فكرة أن السبيل الأسرع إلى النجاح هو أن تسخر من نفسك قبل أن يسخر الآخرون منك، أن تعرض حياتك كلّها في بث مباشر، وأن تختصر وجودك في بضع ثوانٍ قابلة للمشاركة.
تخيلوا عالماً مكافأته الكبرى تُمنح لا لمن يبدع أو يبتكر، بل لمن يتقن حركات مذلّة على الملأ. عالماً يصفّق فيه الملايين لرقصة سخيفة أو مقلب مبتذل، فيما يمرّ صامتاً أمام قصيدة، أو كتاب، أو لوحة. هذا هو عالمنا اليوم.
لست غاضبة بقدر ما أنا حزينة. حزينة على إنسان اختزل ذاته إلى "محتوى" وعلى قيمة اختُزلت إلى "ترند"، وعلى كرامة اختُزلت إلى زرّ إعجاب.
في هذا العصر، البطل الحقيقي ليس من يشتهر، بل من ينجو من لعنة الشهرة.