تشكل تصريحات بنيامين نتنياهو المتكررة عن "إسرائيل الكبرى" تهديدًا مباشرًا للأردن، خصوصًا حين تُفهم في سياقها العقائدي المرتبط بالفكر التلمودي.
وكما يشير الدكتور فوزي البدوي، فإن هذه التصريحات ليست مجرد دعاية انتخابية عابرة، بل انعكاس لعقيدة سياسية ترى في الأردن ودولاً عربية أخرى جزءًا من المجال الحيوي للمشروع الصهيوني، ما يجعل التعامل معها بجدية ضرورة وطنية وأمنية.
الخطورة لا تكمن فقط في طبيعة الطموحات الإسرائيلية، بل في الغطاء الدولي الذي يحميها. فإسرائيل والولايات المتحدة لا تعترفان بقرارات المؤسسات الدولية ولا تخضعان لأي محاسبة، ما يجعل الرهان على الشرعية الدولية خيارًا ضعيفًا. كما لا يمكن الرهان على العمق العربي بحالته البائسة.
هنا يظهر التحدي الكبير أمام الأردن: كيف يوازن بين تحالفاته الاستراتيجية مع واشنطن، التي تعد الداعم الأول لإسرائيل، وبين حاجته لحماية أمنه القومي من تهديدات حقيقية معلنة وصريحة؟
كيف يمكن استخدام التحالف الأميركي بذكاء لا بتبعية؟
• تحويل صفة "الحليف" إلى رافعة ضغط: حوار أمني–سياسي عالي المستوى يربط استمرار ترتيبات التعاون (الحدودية، الاستخبارية، الدعم الاقتصادي) بضمانات مكتوبة لسلامة الحدود الأردنية ومنع سيناريو (الوطن البديل)
• توسيع شبكة الضمانات عبر شركاء أوروبيين وآسيويين، لتقليل اعتمادٍ أحادي يضعف هامش الحركة.
إن الموقف الأردني يجب أن يكون واضحًا وصادرًا عن رأس الدولة لا عن وزراء أو مسؤولين من الصف الثاني. فالتصريحات العليا تحمل وزنًا سياسيًا ورسالة للعالم بأن الأردن جاد في حماية حدوده وسيادته.
الأردن بحاجة اليوم إلى رؤية شاملة تبدأ بتوحيد الجبهة الداخلية، فوحدة الصف الوطني واستعادة الثقة بين الدولة والشعب يشكلان الأساس لموقف صلب وفاعل أمام كل تهديد.
• وذلك قد يبدأ بالإفراج عن معتقلي الرأي وتشكيل مجلس أمن قومي مصغّر دائم الانعقاد يضم الحكومة والديوان والجيش والأجهزة الأمنية ومجلس النواب، مع غرفة قرار موحّدة للرسائل الداخلية والخارجية.
• ميثاق وطني بين القوى السياسية والفعاليات الاجتماعية يحدد أولويات الأمن القومي فوق التجاذبات، لمكافحة التضليل وبناء الثقة.
أما على الصعيد الخارجي، فإن إعادة النظر والمراجعة المنضبطة لكافة الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل تظهر كخطوة ملحة
• وذلك بفتح مراجعة قانونية – سياسية شاملة لمعاهدة وادي عربة وملحقاتها والتفاهمات الثانوية (الطاقة، المياه، الحركة الجوية…)، وفق قواعد (اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات (مفهوم الإخلال الجسيم وتبدّل الظروف.
• سلّم أدوات متدرّج: من التفسير المقيِّد والتجميد الجزئي لبعض الترتيبات عند الاقتضاء، إلى التلويح بتعليق تعاونٍ محدد إذا مسّ الخطر سيادة الأردن أو أمنه القومي — مع قياس الكُلفة–المنفعة والبدائل العملية.
• ربط أي تعاون اقتصادي أو أمني بوقف الإجراءات الأحادية التي تمسّ الأردن أو فلسطين.
إن مواجهة هذه التهديدات تتطلب مزيجًا من الحزم السياسي، والتحرك الدبلوماسي، وتحصين الجبهة الداخلية. فأمن الأردن ليس ملفًا ثانويًا، بل قضية وجودية تستوجب خطابًا صريحًا وخطوات عملية قبل أن يتحول التهديد إلى واقع مفروض.