على مواقع التواصل، نعيش تناقضًا صارخًا بين عالمين متوازيين: عالم ناعم، مزيف، مليء بالابتسامات العريضة، والفيلترات، وعمليات التجميل، والسعادة الزوجية، وحياة تلمع بترفٍ لا يعيشه معظمنا.
ثم، من جهة أخرى، عالم قاسٍ، عنيف، مليء بالتنمر والشر والسخرية اللاذعة ورغبة صريحة في إلحاق الأذى النفسي، عبر تعليقات يظهر فيها شر صريح ومقصود.
أتأمل أحيانًا تعليقات البعض على منشورات بسيطة أو صور شخصية. كمّ الكراهية مذهل. كلمات جارحة، استهزاء بالجسد، اتهامات، أحكام، وشهية غريبة للإيذاء... كأن البعض لا يرتاح إلا إذا أوجع. وكأن في الإيذاء نشوة... أو شفاء!
من أين يأتي هذا الشر؟
هل هو غضب مكبوت؟ إحباط؟ إحساس بالعجز؟ أم أنه مرض نفسي منتشر يحقق السعادة من خلال إيلام الغير؟
هل يشعر البعض أن لا صوت لهم في الواقع، فيصرخون من خلف الشاشات بما لم يجرؤوا على قوله في الحياة اليومية؟
أهو الحسد يترجمه البعض بتعليقات كراهية؟
من جهة، نغرق في "التمثيل" بشكل ما: نعرض نسخًا محسّنة من ذواتنا، نحرص على الزوايا، والإضاءة، والعبارات الجميلة الجاهزة. ومن جهة أخرى، يتربص البعض في الزوايا المظلمة، يفرغون سمًّا لا ينضب في كلماتهم وتعليقاتهم، كأن وجع الآخر يرضيهم.
لكننا لسنا مضطرين للرد على الشر بشر. ولسنا مجبرين أن نظل جزءًا من هذه اللعبة المؤلمة.
من حقنا أن نختار الصمت، أو التجاهل، أو المقاومة الهادئة. من حقنا أن نحمي أرواحنا من القبح.
وأن نذكر أنفسنا، كلما علّق أحدهم بشر، أن ما نكتبه هو انعكاس لنا، لا للآخر.
ربما نحتاج إلى قليل من الطيبة... لا عن سذاجة، بل عن وعي كامل واختيار ناضج.
وعي بأن العالم فيه ما يكفي من الألم، ولا حاجة لنا لنضيف عليه المزيد.