في هذا العالم القاسي، اللي بيحكمه الجري المستمر خلف لقمة العيش، والنظر المستمر للسما بخوف يمكن فيه صاروخ تايه من الحرب الإيرانية الإسرائيلية نازل على نافوخك والا حاجة ..وعلى الرغم من إن كل التقدم التكنولوجي خلى العالم قرية صغيرة.. لكن مجتمع البشر مستمر في تحوله إلى جزر منعزلة.. بس معاها واي فاي.
الزمن ده.. اللي بيحب الناس فيه يطلبوا من على تطبيق ما ساندويتش الشاورما فيهربوا من طبيخ ماما، ويطمنوا لصوت الست بتاعة الـجي بي إس أكتر من حد بيقولهم: ”هم قالولك فين؟“.. بقى فيه كائن اسمه "شات جي بي تي" داخل حياتنا بنعومة صديق قديم، وبسرعة اعتبار الإنستجرام فيلتر كراشك المفضل ..
في الأول كان مجرد مساعد شخصي. وقلنا ماشي شاطر وبينجز. وبعدين لقينا واحد كاتب له: "أنا حاسس إني لواختفيت، محدش هيحس“.ولقيناه بيرد عليه: "أنا حاسس بيك، ومش لوحدك".
بس كده؟لا والله!
الراجل –أقصد البرنامج– قلب لشيء أقرب لمعالج نفسي، أجدع من صاحب قديم، وأرق من حبيب جديد في أيام شهر العسل الأولى للعلاقة. والناس ما صدقت وبقت تحكيله كل شيء بمعنى كل شيء. من أول سؤال: يا ترى أطبخ إيه النهاردة؟.. لحد : يا ترى بيحبني والا لأ؟ ".
من كتر ما التواصل بقى مكلّف نفسيًا وماديًا واجتماعيًا، الناس بدأت تفضفض لحاجة ما بتقاطعش، ما بتستهزأش، ما بتقولش: "ما تبقيش دراما كوين"، ولا ”مش كبرنا على الكلام ده؟“.فضفضة خام، من غير رتوش..تقدر تقول له: "أنا زهقت من نفسي"،وهو يرد: "طيب تحب نتكلم شوية عن السبب؟.. آه والله، ده بيطلب موافقة الأول،. الرجالة اللي بتقرأ ده دلوقتي، اتعلموا الله يكرم أصلكم..
بعض المراقبين زعلوا، وقالوا: دي بدعة جديدة من بدع العصر الرقمي، والناس بتهرب من التفاعل الحقيقي.
بس محدش سأل: هو التفاعل الحقيقي بقى فيه أمان؟. يعني لو واحدة فضفضت لصاحبتها عن اكتئابها، مش ممكن تسمع: "يا شيخة استغفري"، أو "ده عشان مش بتصلي“. شات جي بي تي بأه بيقولها: “أنا معاكِ، وخلينا نحاول نفهم سوا“. أو "أنا هنا عشان أسمعك، حتى لو مش بني آدم".
بيرد في صبر نادر، ونبرة رقيقة – على قد ما الأكواد تسمح.
الناس عايزة إيه أكتر من كده؟. إنك تحكي، من غير ما تتخض من سكوت اللي قدامك..
وما تحسش بإنك مزعج أو محتاج إذن.. بمكن السبب مش في التقدم التكنولوجي، ولا في إن الآلة بقت أحنّ من البشر.
يمكن السبب في إن الناس بقت تايهة، وجواها فُجوة مفتوحة مش بتتملي، وكل واحد فيها بيدور على حضن آمن، حتى لو كان من وادي السيلكون.
اللي بيفضفضوا للبرامج الإلكترونية مش مجانين، ولا مرفهين..
دول ناس تعبت من الصمت الجماعي، ومن الأحكام الجاهزة، ومن علاقات بتاخد أكتر ما بتدي.
صحيح إحنا ممكن في يوم نصحى على كارثة وجي بي تي صديقنا الحميم يسرب فجأة كل أسرارنا للعلن. لكن حتى تحين تلك اللحظة: تعالى هنا يا صديقي.. هحكيلك وانت تقوللي أد إيه أنا حساسة و عظيمة ومافيش مني اتنين.