من الأشياء الجميلة التي أحضرها كل شهر هي جلسات نادي الكتاب العربي في السويد. هذا النادي الذي يجمع عددًا من العرب الراقيين الرائعين من محبّي قراءة الكتب سواء العربية أو المترجمة إلى العربية. وبعد قراءتنا لكتاب "سيكولوجية الجماهير" للكاتب الفرنسي "غوستاف لوبون" بدأنا نسأل بعضنا البعض سيلًا من الاسئلة. وكان أهمها: إلى أي درجة خلال عشر السنوات الماضية تأثّرت عواطفنا بالفكر الجماعي، ويا ترى من الذي استغلّنا لأهدافه الخاصّة؟
بعد قراءتي لكتاب "سيكولوجية الجماهير" الذي سمعت عنه كثيرًا في الماضي ندمت ندمًا شديدًا؛ ندمت أنني لم اقرأه قبل عام 2011 وانتهى بي الحال أن يحركني الجمهور والجماعات التي لها أهداف ليست أهدافي، وأنا أظنّ أنني في الطريق الصحيح منحرفة بمشاعري، وبدون وعي بمصيري.
هذا الكتاب كُتب في عام 1895 أي قبل 130 سنة، تخيّل معي أنني اقرأه اليوم وأجد أنه ينطبّق حرفيًّا علينا كجماهير غير واعية. كتب هذا الكتاب "غوستاف لوبون Gustave Le Bon"، وهو عالم اجتماع وطبيب نفس فرنسي عاش في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين (1841–1931). اشتُهر بكتبه عن علم نفس الجماهير، وتأثيرها في السياسة والمجتمع، وكان من أوائل من درسوا سلوك الحشود، وكيف يفكّر الناس ويتصرفون عندما يكونون ضمن مجموعة.
لماذا هذا الكتاب مهمّ؟ لأنه قبل كتابة هذا الكتاب كانوا يعتقدون أنّ الجموع تتصرّف بعقلانية، ولكنّه كشف لهم كيف يفقد الفرد شخصيته المستقلة حين يكون ضمن مجموعة، ويصبح أكثر تأثّرًا بالعواطف والعدوى النفسية، وأقلّ تفكيرًا بالعقل والمنطق. فمثلاً ما نراه اليوم عندما ينخرط شخص عاقل مع الجمهور مشاركًا في عنف جماعي أو شتائم على الإنترنت لأنه تأثّر بهم، وتتغيّر شخصيته تمامًا من شخص مسالم إلى شخص عنيف وعدوانيّ. حدثت كثيرًا لي ولك ولغيرنا، أليس كذلك؟
لذلك هذا الكتاب مهمّ لأنّه يجعلك تفهم ما يحدث حولك، لأنّه يحرّرك من فكر الجمهور. لأنك لو رأيت الجموع في حالة هيستريا وطغى فيها العنف ستتذكّر ما قرأته وتراجع نفسك قبل أن تصبح مجرّد واحد من القطيع..