فلنطرحها
الثقافة ليست محض محاضرات وندوات ولقاءات وقراءات ومتاحف ومكتبات، على أهمية هذه. هي في مكان آخر. هي، في رأيي في الأقل، في الجرأة على طرح الأسئلة الصعبة والممنوعة.
الثقافة مختبر. ومن طبيعة المختبر ان يكون منفتحاً ورحباً وطليعياً. وبقدر ما يتصدى العمل الثقافي للرقابة والتخويف والقمع، وبقدر ما يثير الإشكاليات والأسئلة المسكوت عنها، وبقدر ما يساهم في بلورة الروح النقدي وفي إخضاع كل شيء لسلطان العقل وأسئلته، سوف ينبض قلبه ويزدهر.
هذا يفتح أمامنا النقاش حول واقع الثقافة في لبنان والعالم العربي. فإلى أي حد نحن نفتح نوافذ على المغاير والمختلف والتابو؟ والى أي حد نحن نمارس عملية نقدية معرفية شاقة ومتواصلة، من أجل بلورة مفاهيم معيارية جديدة، في كل شيء، لدى الرأي العام؟
اذا كان للثقافة فرصة ما في تكوين أثر حقيقي وراسخ في الرأي العام، فينبغي لها في الدرجة الأولى أن تعكس جرأة موقفٍ تكون موضوعية وفي محلّها. ويتلخّص جوهر هذا الموقف في إثارة الأسئلة ومحاولة تقديم إجابات عنها، وهو موقف لا يزال ضعيف الحضور، إن لم يكن غائبا، في غالبية الثقافة العربية. لذلك يجب أن نسـعى في الدرجة الاولى الى تحقيق شروط "إيقاظ" ثقافاتنا وهزّها وإنهاضها من كبوتها، بهدف تشكيل ضمير نقدي متبصّر، شجاع ومشرّف، يسائل ويتحدّى ويواجه.
عندما تأخذ الثقافة على عاتقها مثل هذه المسؤولية، فإنها تكون تتحدى ذاتها باستمرار، وتبحث عما يجعلها تتخطى ذاتها هذه ولا تكتفي بها. وهي بذلك تكون تصنع لنفسها سقفاً عالياً وتناقش وتعالج وتبدي الرأي وتكشف النقاب وتحرّك مناخاً راكداً وتقض المضاجع.
أكرّر: الثقافة ليست فقط محض محاضرات وندوات ولقاءات وقراءات ومتاحف ومكتبات، على أهمية هذه. هي في مكان آخر أيضاً وخصوصاً.
هي في طرح الأسئلة الصعبة أولا. فلنطرحها.