مافيش أي شك في إننا عايشين في منطقة ساخنة، بل الأصح هو تسميتها بالمنطقة الملتهبة. منطقة من العالم لا تهدأ ولا تبرد ولا تعدم الأحداث الجسام. من حروب لمجاعات من ثورات لانقلابات من مآسي اقتصادية واجتماعية لكوارث سياسية متتابعة تتابع الليل والنهار.
مافيش أي ضمانات لإنك هتنام وتصحى فتلاقي نفسك على نفس الحال، ممكن تصحى الصبح تلاقي البلد قامت فيها ثورة، وقعت في براثن حرب، تلاقي مدخراتك نزلت قيمتها للتلت، تلاقي حزبك الحاكم بقى مصنف منظمة إرهابية، الفنان اللي بتحبه اتكنسل على يد الرأي العام، أو فريق الكرة اللي بتشجعه اتشطب من الاتحاد وأعضاؤه بقوا ممنوعين من السفر
باختصار مافيش حاجة مضمونة، لا وضعك ولا وضع جيرانك ولا وضع المنطقة كلها، والزمن علمنا إن مافيش حد معصوم من التغيرات، من أفقر دولة زي الصومال، لأغنى الدول زي الكويت مثلا.
في لحظة ممكن تلاقي بلدك في مهب الريح، وتلاقي نفسك تحمل لقب مش ظريف لكنه حتمي إسمه (لاجيء). كل شيء في منطقتنا بيدور بنفس منطق لعبة الكراسي الموسيقية، إنت عندك حرب النهاردة، بكرة ممكن تكون عندي، كانت عندك ثورة امبارح؟ يا عالم بعد بكرة هتكون عند مين؟
فلماذا إذا ومع كل المعطيات دي البعض مننا بيتصرف وكأنه محصن من تقلبات الزمن، وما بيفكرش لحظة إنه ممكن الزمن يدور ويبقى في لحظة مكان الشخص الآخر ، اللي هو بيضيق بوجوده في بلده ولو بصورة مؤقتة؟
بيدور في بالي السؤال ده كل يوم وأنا بشوف الحملات اللي بيشنها البعض على السوشيال ميديا، اللي بيكون هدفها اللاجئين من الدول اللي كان نصيبهم إن الالتهابات المعتادة في منطقتنا زادت عندهم شويتين. اللي يقول دول بيأثروا على مواردنا واللي بيقول إنهم بيضروا الصناعة عندنا واللي بيقول إن وجودهم زود الأسعار والإيجارات واللي بيقول إنهم ياللعجب جايين يشغلوا فلوسهم ويكسبوا هنا. طب ما هي فلوسهم يا سيد! وبيشغلوها، يعني ما مدوش إيديهم في جيب حد، إيه بأه اللي مزعلك؟
اللي بيحصل ده خاصة وإنه بيحصل في بلد تعدادها تعدى ال١٠٠ مليون، يعني على الأقل من الناحية العددية مافيش حاجة تخوف اللي عايشين فيها، ده غير انها بلد معروفة عبر التاريخ باستقبالها للهجرات واللاجئين اللي غالبا بينصهروا في بوتقتها الاجتماعية والثقافية مش العكس شيء فعلا مزعج، صحيح الكلام المسيء ده مش لامساه في الحياة العادية، والحمدلله ما قابلتوش لا في شارع ولا في ميدان، لكن يظل حتى وجوده على السوشيال ميديا شيء محزن ومحبط ويثير الغضب ويخلينا نتسائل عن إزاي الناس مش واخدة بالها من المحاولات المستمرة لدق مسامير في نعش التكامل والتكافل، وهي الصفات اللي على الأقل كانت دايما على المستوى الشعبي بتميز منطقتنا . أنا مش فاكرة أي مرحلة من حياتي ما كنتش بشوف فيها حملات لدعم الصومال ، أو السودان، أو أطفال العراق، أو ضحايا الحرب في الدولة الفلانية أو الجفاف في الدولة العلانية.
ما اعرفش إذا كان فيه على أيام أهالينا النعرات القومجية السيئة دي، وأنا مش شخص بيدعوا للقومية العربية بشكلها السياسي، لكن على الأقل الناس اللي عايشين في مكان واحد، الجيران، علمتنا الأصول إننا نقف جنبهم وقت الحاجة، عشان ماحدش ضامن بكرة، ومين يعرف إمتى هنحتاج حد ياخد بإيدينا والموسيقى هتقف في لعبة الكراسي الموسيقية عند مين؟ !.