١- اليوم هو الجمعة: عيد ميلاد ابني السادس. احتفلنا وطفينا الشمع وأكلنا التورتة. بعد ما عيد الميلاد خلص والعيال انطلقوا يلعبوا كان كل شوية طفل ييجي يقول عايز بالونة، فندي ليه. لحد ما بنت بتاع ٨-٩ سنين كده طلبت بالونة قولنالها خديها. لقيناها متجهة ناحية بالونات الهيليوم اللي على شكل سوبر هيروز (كابتن امريكا، أيرون مان، سونيك) ، قلتلها لا يا حبيبتي مش دول، دول ابني هياخدهم معاه وهو مروح. بصت لي بصة (يا رب تموتي) و اخدت بالونة عادية ومشيت، ولاحظت ان مامتها متابعاها من بعيد.
٢- قاعدين نتكلم لقينا نفس البنت بتتسحب من ورا ستارة عيد الميلاد وبتحاول تفك تاني واحدة من بالونات الهيليوم . قلتلها يا حبيبتي قلت لك قبل كده دول بتوع ابني وهيروح بيهم، انسحبت تاني وهي بتبص لي بصة (إلهي ما توعي تروحي بيهم) لاحظت امها برضه بتتابع من على بعد ترابيزتين، والبنت راحت لها، وانا ببتسم لها على اساس (يادي العيال و عمايلهم) بصت لي بوش جامد وما ردتش الابتسامة.
٣- اتشغلنا شوية في الكلام انا وصحابي، ثم اكتشفنا … ان كابتن أمريكا اتاخد واحنا مش واخدين بالنا. الأم وبنتها اختفوا هم كمان من على ترابيزتهم… النهاية.
الموقف كله أصابني بالصدمة وفي نفس الوقت كان شيء فاتح للأعين بخصوص حاجات كتير بتحصل حوالينا.
إحنا هنا ما بنتكلمش عن "بالونة" مسروقة، بل عن درس تربوي تم تلقينه للطفلة على مرأى من الجميع: “اعملي اللي نفسك فيه،ولو أخدتي حاجة مش من حقك، أنا هغطي عليكي.”
الدرس ده يا سادة هو بالضبط ما سينمو في وجدان تلك البنت ليصبح لاحقًا "عادي أغش في الامتحان، المهم أجيب مجموع"، ثم "بابا هيجيبلي واسطة في الكلية"، ثم لاحقًا، لما تكبر: "مش مهم استحق الوظيفة، المهم أعرف حد كبير يضمنهالي“،“ أصل ماما علمتني أمد إيدي آخد اللي عايزاه من عين التخين“.
اللي حصل مش مجرد تصرف فردي من طفلة "طماعة" أو أم "متساهلة"، بل هو نموذج مصغّر لفلسفة حياة تُزرع في أجيال كاملة: خُد اللي تقدر عليه، وياللا بينا نغطي على بعض.
وهو نفس النموذج اللي بيخلي أمهات تتزعم حملات الغش الجماعي بحجة ”منكم لله هتضيعوا مستقبل أولادنا لو ما غشوش"، وبناءا عليه اعتبار أي منع للغش هو ظلم وقهر، فتتحول قيمة الصدق إلى سذاجة، والنزاهة إلى غباء، والأمانة إلى حِمل ثقيل لا طائل منه.
الغريب أن السلوك ده ما بيصدرش دايمًا عن فئات جاهلة أو محرومة، بل أحيانًا – وغالبًا – من أمهات وأباء متعلمين، مرتاحين نسبيًا، ما احنا كنا قاعدين في نادي. مش حتى في حديقة عامة. لكن الآباء والأمهات دول قرروا أنهم يُربّوا أبناءهم على أن : ما نيل المطالب بالتمني، ولكن تؤخذ الدنيا قفش.
ويوم بعد يوم، بتتحول التربية دي إلى قاعدة اجتماعية لا استثناء: إنك لو ما سرقتش فرصتك، هيسرقها غيرك، وإن لم تكن الأذكى في المراوغة، فأنت مجرد "غلبان" في صف الانتظار الطويل.
والأكيد أن الطفل – أي طفل – ما بيتولدش محتالًا، بل يتعلّم: من اللي حواليه، اللي يشجع، واللي يسكت ، واللي يبتسم له وهو بياخد اللي مش ليه..
فهي في النهاية مش مسألة بالونة. بل مسألة مجتمع مش عارف يحط قواعد واحدة لأطفاله، لأن كباره أصلا فقدوا البوصلة من زمان.