“كطفلٍ هرول إلى أمه باكياً لتحتضنه، فتلقى صفعة ليكُف عن البكاء، هكذا الخذلان”، كما وصفه أحمد خالد توفيق..
أنه ذلك الصوت وصداه المستمر لشعور مؤلم ومن أصعب ما يمر به البشر.. أخو الخيبة التوأم ومرادف للخيانة وأشد من الفقد بأضعاف ...
لا يمكن لإنسان على هذه الأرض أن يكون عاش ولم يمر بتجربة كان للخذلان فيها أثر وسمٍ ترك على قلبه علامة لا تمحى، ذلك أن الخذلان لا يأتي الا بعد مودة ومحبة وثقة. وهذه مشاعر تخلق معنا ونمارسها بشكل تلقائي لضمان بقائنا على قيد الحياة.
يأتي الخذلان ليتناسب طردياً معها فكلما كانت المحبة والثقة أكبر كان شعور الخذلان أعمق وأشد وأقسى.
في الحب، يقتل الجسد بسكين وتقتل الروح بالخيبة والخذلان.. حبيب بلا ذاكرة، أو خيانة عابرة..
في الصداقة والأخوة، أن تعطي ظهرك لشخص قريب وهو في أمس الحاجة لأن تعطيه قبضة يديك.
هذا عن الخذلان في العقل الفردي، هل تخيلتم كيف يبدو الخذلان في العقل الجمعي؟
إن ما تعرض ويتعرض له الناس عبر التاريخ من خذلان جماعي يؤكد على أنه لا يمكن للثقة أن تكون مطلقة في شخص أو أشخاص لمجرد وجود شعور أو حتى روابط دينية واجتماعية وتاريخية. كما أنه يبدو بحسب مجرى التاريخ أنه لا يمكن للإيمان بفكر واحد أن يوحد الناس ويحصنهم ضد الخذلان في مواقف مصيرية.
ان شجاعة الفرد في مواجهة الخذلان أمر أساسي للبقاء والاستمرار وشفاء الجراح وتقبل الندوب الصعبة.
كما أن الشجاعة والصلابة التي تتولد في العقل الجمعي تستطيع أن تنتشل الناس من غياهب الاستسلام أو قبول الهزيمة الى حد كبير..
لا شك أن ما تعرض له الأرمن والشركس والشيشان والبوسنيين ويتعرض له الغزيين والسودانيين اليوم من إبادة تحت أعين بقية العالم من أعظم ما يمر به البشر من الخذلان.. أن تترك للقتل والإبادة دون أن يتحرك ملايين البشر لإنقاذك سواء لروابط الدم والاخوة والدين والعروبة أو ببساطة أنك بشر مثلهم هو خذلان البشر لفكرة قيمة الحياة نفسها.
شخصياً..
أصعب الخذلان هو أن يخذلك وطنك..
وهذا جرح يدميك حتى النهاية..