مخاوف كثيرة يشعر بها المريض النفسي كلّما فكّر في البوح بمرضه في مجتمعاتنا. كل من عاش أو يعيش تجربة الاكتئاب يعرف هذا الصراع جيداً. لعلّ أصعب ما في هذه المواجهة أن المريض أو المريضة يضطران غالباً الى إخفاء مرضهما كأنه عار، خوفاً من أحكام المجتمع عليهما.
حن نعيش في عالم يتقبّل أمراض الجسد وأمراض الأخلاق، لكنّه لا يعترف بأوجاع الروح والعقل والقلب. هكذا، بدلاً من مساندة المرضى، تتمّ معاملتهم تارة باستخفاف أو ازدراء أو حتى مسخرة، وطوراً بخوف وإقصاء كأنّهم خطيرون يُهدّدون حياة من حولهم.
الكلمات الجارحة المؤذية التي يسمعها المرضى النفسيون من أشخاص يحيطون بهم، تضاعف آلامهم. يصفونهم بالمختلّين، الغريبي الأطوار، المعتوهين، المجانين، الممسوسين، المشوَّشين، المخبولين... جماعة غيرِ اللائقين بجلالته، المجتمع.
أولئك الذين نستحي بهم، نتجنّبهم، ننبذَهم، نشفقَ عليهم، نُعرِض عنهم، نتجاهل وجودهم، نستبعدهم، ندفعهم عنّا...
لا ننفكّ نقول عنهم: "أولئك الأشخاص"، كي لا نسمّيهم فيقتربوا منّا، كي نبقيهم سجناء في بعدٍ آخر. هكذا نميّز بيننا وبينهم، فنقنع أنفسنا بأنّنا في أمان.
سمّونهم مرضى، أما أنا فيحلو لي أن أسمّيهم المتعبين. والحقيقة هي أنّنا جميعاً متعبون. متعبون وغير متوازنين ومرتبكون ومشوَّشون. السبعة مليارات نسمة على وجه هذه الأرض. لكن بدرجاتٍ مختلفة.
لا يمكن للمرء أن يكون إنساناً يعيش ويتنفّس من دون أن يكون قد عانى في مرحلة ما من حياته شكلاً من أشكال الاضطراب النفسي، لمواجهة وحشيّة هذا العالم.
لأجل ذلك، بدلاً من التجاهل، لنمنحهم الاهتمام.
بدلاً من الأحكام، لنمنحهم التفهّم.
بدلاً من النبذ، لنمنحهم العلاج الملائم.
وأولاً، وأخيراً، وخصوصاً: بدلاً من الشفقة، لنمنحهم الحبّ.
لا دواء مثل الحبّ.