فتحت كتابا لكاتب وصحافي مغربي رحل عن دنيانا قبل حوالي سنة ونصف. كنت قد اشتريت الكتاب في حياته، لكن لم تتح لي الفرصة لقراءته إلا مؤخرا.
ولأنني عرفته قليلا على المستوى الشخصي، عاودني الحزن حين تذكرت رحيله، خصوصا أنه توفي شابا. كتبت جملتين على فيسبوك أعبر فيهما عن هذا الشعور. لكن المفاجأة أن التعليقات توالت بسرعة، بعضها يعبر عن الصدمة والحزن كما لو أنني أعلنت الآن خبر وفاته.
المفارقة أن وفاته لم تكن سرا، بل جرى تداولها حينها في الإعلام وعلى مواقع التواصل. كما أن مجرد بحث صغير على "غوغل" كان كفيلا بتوضيح تاريخ الوفاة. لكن هذه معضلة زمننا الرقمي: لا وقت للتأكد ولا رغبة في التحقق. الكل يريد أن يكتب تعليقا سريعا ليترك بصمته في النقاش، ليؤكد وجوده "الفايسبوكي".
في كثير من الأحيان، أشعر أننا لا نقرأ بتمعن، لا ننتبه للسياق، لا نملك حتى فضول النقر على محرك بحث. الأهم هو أن نكون حاضرين، أن نعلّق، أن نحزن جماعيا، أو نغضب جماعيا، أو نضحك جماعيا، أو نبارك جماعيا. المهم أن نُرى وأن نترك أثرا في فضاء افتراضي صاخب، حيث تُقاس قيمتنا بعدد اللايكات والتعليقات التي نجمعها.
لكن... خلف هذا الصخب وهذه التعليقات والمشاركات بالجملة، هناك فقدان للتأمل الفردي، للقراءة البطيئة، للتأكد من المعطيات قبل إصدار رد فعل. أصبحنا أسرى لقاعدة جديدة اسمها: "سرعة التفاعل"، أسرى وهم الوجود الافتراضي عبر تعليق سريع قد يخون المعنى الأصلي للنص وقد يخون حتى الصورة التي نود أن نقدمها للعالم عنا.
رحل الكاتب، وبقيت كتبه. لكن ما لم يرحل هو ضجيجنا الرقمي. ضجيج يدفن المعنى العميق للحزن، كما يدفن أحيانا النص نفسه. ويدفن أكثر معنى الحزن الحقيقي والفرح الصادق والتهنئة من القلب... وربما هنا تكمن خسارتنا الأكبر.