ابتلينا مؤخرا وكأن بلاوينا كانت ناقصة بمنام في ليلة ليلاء، واستيقظ من النوم فتفتق ذهنه عن مصطلح ينكد علينا عيشتنا لسنين وسنين قدام. على الرغم من مطاطيته ومياعته وعدم الحسم الآتي معه، ألا وهو مصطلح "التعدي على قيم المجتمع".
بمجرد أن خط أحدهم المصطلح ده أصبح سيف معلق على رقبة الجميع. إذ أن ولا حد معاه لسه بالقيم دي. ولا حد عنده فكره إيه بالضبط اللي يعنيه التعدي عليها، لكنها أصبحت تهمه كده متعلقة في الهواء كالسحابة السودا اللي ما حدش عارف هتروح إمتى وفوق نافوخ مين.
قد يكون تعديك على قيم المجتمع سببه فيلم مثلته، أغنيه غنتها، لبس لبسته في حفلة عيد ميلادك، إيدك وهي ماسكة إيد خطيبتك في الشارع، أو رقصة عفوية رقصتها على حسابك على التيك توك اللي بيتابعوا آلاف. كلها حاجات تبدو بريئة أو مش مستاهلة أو ده تأثير محدود في حياة الآخرين.
بس معذرة ده رأيك أنت، إنما للمجتمع رأي آخر. المفارقة الغريبة بل الموجعة أن ظواهر لها ضحايا حقيقيين زي ظاهرة العنف الأسري مثلا، يا سبحان الله، لا تخدش ولا تتعدى على قيم المجتمع، خالص بقى.
يعني زوج يتنرفز على زوجته عشان الأكل ناقص ملح يقوم مولع فيها، ده عادي المجتمع بيقول عليها لحظة شيطان.
أب بيضرب بنته بخرطوم الانبوبة يموتها عشان خرجت مع واحدة صاحبتها من وراه برضو عادي، أب بيربي بنته فيها إيه يعني؟
أم بتضرب ابنها سكينا في رقبته عشان نرفزها وهي بتذاكر له، عادي بردو في مادة الدراسات الاجتماعية والمجموع التراكمي، مش دي نوعية القضايا اللي تتصدر كقضايا مجتمع. ولا بيتم إدراجها تحت بند الانحطاط الأخلاقي.
والانحطاط الأخلاقي ده له علاقة بالدلع والغناء والرقص والظهور. لكن العنف والتعذيب والقتل مش انحطاط أخلاقي ولا حاجة، يا ريت متكبرش الموضوع. وده لأن اللي صك مصطلح قيم المجتمع ما شاء الله عليه متشبع بالمجتمع اللي أهم حاجة عنده المظاهر مش مهم اللي بيستخبى تحت السجادة، ‘يه مجتمع بيقلب الأولويات، بيخاف من الفضيحة أكتر من الجريمة، ومن الصور والفيديوهات أكتر من الدم المسفوك ومن كسر الأعراف أكثر من كسر الضلوع.
عشان كده صاحبنا عمل لنا مصطلح بيترفع في وشك كل لما حد يبقى عايز يوقفك عند حدك، أو يصادر على رأيك أو سلوكك، وكأنه هو وحده الحارس الأمين على الأخلاق. لكنه مصطلح لا يحرك ساكنا لحماية الأضعف من العنف. مصطلح لا يضع للسلامة النفسية والجسدية أي اعتبار. مصطلح لا يؤمن بالحوار بل بالقمع، ولا بالاعتذار بل بالانتقام، ولا بإنصاف المظلوم بل بالخوف من كلام الجيران.
مصطلح يلتمس العذر للأب القاتل ويعلق المقصلة للبنت اللي بترقص على التيك توك. ويعتبر أن الحفاظ على السمعة أسمى من الحفاظ على الروح.
المهم تكون قيمنا مستفزة وتبرق حتى لو كان بريقها مغطي على دم سايل على الأرض أو على اجسام ونفسيات متكسرة ومالية البيوت.