في العالم المتقدم، حين تحدث جريمة اغتصاب أو تحرش أو اعتداء جنسي، أو حين تحدث جريمة قتل ضد امرأة من طرف زوجها أو خطيبها السابق أو غيرهم من الأقارب، يكون الموقف الشعبي في أغلب الحالات واضحا: إدانة المتهم، التعاطف مع الضحية، والمطالبة بالعدالة. هناك وعي بأن الجريمة لا تبرَّر، وبأن أي محاولة للبحث عن “أسباب” في سلوك الضحية هو تواطؤ مع المعتدي.
أما في مجتمعاتنا، فغالبا ما يبدأ التحقيق الشعبي قبل أي تحقيق قضائي، وغالبا ما يكون هذا التحقيق... مع الضحية نفسها.
ماذا كانت ترتدي؟ لماذا خرجت في ذلك الوقت؟ لماذا كانت معه؟ أليست هي من أغرته؟ ملابسها. شكلها. ماكياجها...
وكأن القاتل أو المعتدي بلا إرادة، مجرد أداة مسيَّرة أمام “إغراء” أنثوي... حتى وهو معتدي، نتصوره ضحية لشرور المرأة! بينما الضحية الفعلية، فهي تصبح المتهمة الأولى.
والأدهى، هو حين يكون المتهم شخصية مشهورة أو نافذة. فجأة، تتحول القضية في عيون كثيرين إلى “مؤامرة” لإسقاطه، أو “محاولة لتشويه سمعته”، أو “ابتزاز مالي”. تتغير الرواية، وتُمحى الضحية من الصورة، ليصبح كل النقاش حول سمعة الرجل، ومستقبله، وظلمه المزعوم والمؤامرة الكونية التي تحاك ضده.
هذا ليس إنكارا لإمكانية وجود اتهامات كاذبة في أي مجتمع. لكن الفرق أن المجتمعات التي تحترم النساء، تتعامل مع هذه الحالات كاستثناء، لا كقاعدة لتكذيب كل النساء. أما نحن، فننطلق للأسف من الشك المسبق، ومن عقلية أن المرأة “تبحث عن المشاكل” وأن الرجل “ضحية الإغراء”.
ربما آن الأوان لنعكس القاعدة: أن نصدّق النساء ضحايا العنف، أن نطالب بالتحقيق العادل، وأن نكفّ عن محاكمة ضحايا التحرش والعنف الجنسي وكل أشكال العنف ضد النساء.
إدانة المعتدي ليست ظلما له، بل هي عدل للضحية، ورسالة واضحة بأن أجساد النساء ليست مباحة، مهما كان مركز الرجل أو مكانته.