إحنا عايشين في مجتمعات بالليل بيحضروا الفرح ويجيبوا رقاصة ويصوروا الرقاصة ويرقصوا مع الرقاصة ويتفاخروا قدام معازيمهم وعيلتهم انهم جابوا رقاصة .. ويصحوا الصبح يطالبوا بحبس نفس الرقاصة.
نوع من النفاق المجتمعي اللي هو مش شيء جديد، مش حاجة مستحدثة يعني صحينا عليها فجأة بعد انتشار السوشيال ميديا وبقى كل واحد معاه كاميرا بموبايل بيشارك تفاصيل حياته وآراءه وأفكاره مع الناس. لكن برضه السوشيال ميديا والموبايل في كل إيد خلت كل الظواهر واضحة وظاهرة وفاقعة بشكل مبالغ فيه. و ظاهرة التناقض بين اللي بنعمله في الخفاء واللي بنعمله في العلن، أو النفاق بمعنى أصح، أصبحت في أكثر شكل ممكن من الوضوح والفجاجة.
يعني أنا مثلا بتحسس مسدسي كل ما ألاقي حساب على أي وسيلة من وسايل التواصل الاجتماعي صاحبه مختار له آية قرآنية عشان تقابلك أول ما تفتحه. مع التجربة كده والخبرات اتضح ان دول أكتر ناس بيسبوا ويلعنوا ويخوضوا في أعراض، ده إن ماكانش بعضهم بيدخل في الرسايل الخاصة ويمطر الناس بمحتوى جنسي وتعليقات إباحية.
الناس اللي حاطة بيت شعر مثلا بيتكلم عن الإنسانية، غالبا هتلاقيهم منخرطين في حملات عنصرية ضد الأجانب واللاجئين وأي حد مختلف والسلام.
الإخوة اللي بيكتبوا انهم متخرجين من مدرسة الحب، هم أكتر ناس بوستاتهم وتعليقاتهم مليانة بالكره للجنس الآخر. ستات بتكره رجالة ورجالة مش طايقة سيرة الستات . وهكذا.
ضيف على ده عقلية القطيع اللي أصبحت في أوجها في عصور السوشيال ميديا. فيه اتنين بيكرهوا الراجل ده، الله!.. ما أنا أكرهه أنا كمان. قد يكون الراجل ده تحديدا ما عمليش حاجة. أنا أصلا ما اعرفش هو بيعمل في الحياة إيه.
وقد يكون العكس.. ده حد أنا متابعه أصلا وبتبسط باللي بيقوله.. بس طالما الآخرين بيكرهوه.. طب ما أنا أكرهه أنا كمان!
ده بالتحديد اللي بيحصل حاليا في حملة من حملات القبض على التيكتوكرز واللي بيعملوا محتوى سواء اتفقنا أو اختلفنا معاه ، لكنه في النهاية محتوى بيتقدم بشكل مناسب للمنصة اللي بيتعمل عليها ولا يخالف قواعدها ولا قواعد قانونية واضحة اللهم إلا الاختلاف في مدى توافق المحتوى ده مع شيء فضفاض اسمه (الذوق العام).
نفس الناس اللي بتندد وتشجب وتدين، هي هياها اللي كانت عاملة للأشخاص دي رواج ومشاهدات وبالتالي فلوس. لكن لما حد نبههم إنهم بيكسبوا فلوس.. بيكتسبوا مكانة .. طبقاتهم الاجتماعية بترتفع .. ببساطة بيستفيدوا.. فلأ .. أصبح لا صوت يعلو فوق صوت الحبس.
وعلى الرغم من إن معظمهم فعلا محتواه هابط.. لكن في النهاية مين اللي حدد الحبس كعقوبة على الهبوط. وليه ما سمعناش أصوات المعترضين دي عالية إلا لما حصل الحبس فعلا وأكتر من حد اتسجن.
هل الناس ما كانتش واخدة بالها من قيمها؟ هل اتفاجئت إن اللي بيتوصف بالهبوط ده فعلا هبوط؟ .. والا هل استمرأت الجموع ركوب قطار الفضيلة. كنوع من أنواع الوجاهة الاجتماعية برضه؟
فيه فرق بين إننا ننتقد المحتوى السطحي اللي بيقدم على التيك توك (وده من حقنا)، وبين إننا نتحول لجلادين ووش بلاغات. ما هو لو كان فيه جرائم حقيقية، القانون هو اللي يحاسب. إنما تحط صورتها في بوست مكتوب عليه "العبرة لمن يعتبر" وأنت من شوية كنت عامل لايك على نفس الفيديو اللي هي فيه، فإنت كده محتاج مراجعة مش أخلاقية.. لأ، مراجعة "سيريالية".
وفي النهاية، يمكن العيب عليهم فعلا وعلى اللي بيقدموه، بس في نفس الوقت، العيب فينا، في مجتمع بيحب يتفرج على الناس وهي بتطلع، ويستمتع قوي حتى يشعر ان الناس دي مش مجرد أراجوزات، دول مستفيدين وبيطلعلهم مصلحة. فيسن السكاكين ويقرر يشارك في دبحهم. بس مابينساش ياخد تذكار يمكن يجد في الأمور أمور ويرجعوا تاني يملوا الساحة تريندات يحب هو يبقى جزء منها. فياخد سكرين شوت من البوست. أو يعمل حفظ للفيديو. أو يلحق ياخد صورة مع الرقاصة في الفرح.