من كام سنة كده، كان أقصى خيال لست البيت العصرية إنها تلاقي واحد يوصل لها الطلبات لحد باب بيتها. كنا بنبعت عيل صغير من الجيران يجيب عيش، ولا ندي سواق التاكسي 10٠ جنيه زيادة عشان يعدّي على السوبر ماركت وإحنا راجعين. ]لوقتي؟ ولا عيل ولا تاكسي.. دلوقتي عندك جيش اسمه: رجالة الدليفري..
جيش من الشباب اللي سايقين موتوسيكلات بشكمانات مخرومة، لابسين جاكيتات عليها لوجو منور، وشايلين على ضهرهم شنطة مليانة كشري وعدس وسوشي ورزبلبن في نفس الوقت.
دول اللي بيوصلوا لنا كل حاجة: أكل، هدوم، دوا، لب وسوداني، و صواريخ أرض جو لو تحب
مشكلتهم الكبيرة هي عدم الاعتراف بإننا بشر و عندنا حياة خاصة. تبقى بتعمل شوبينج أو مزنوق في غرفة انتظار في عيادة دكتور، أو واخدة العيال تمرين السباحة، تلاقي تليفونك رن: ألو أنا الدليفري.. واقف تحت البيت.. إنتي فين؟
تلاقي نفسك عرقتي.. واتلجلجتي ..وبدأتي تدي أعذار ..ويمكن تحوري،إحساس كده زي إن أهلك قفشوكي في عيد ميلاد صاحبتك اللي قالولك اقطعي معاها.
وبعدين توقفي نفسك في وسط ده كله وتسأليه.. الله، طب وانت ليه ما تقولش انك جاي من قبلها؟. لكن لأ هم مش مؤمنين إنهم لازم يقولوا.. من باب: مش تحمد ربنا إنك لاقيت حد يجيبلك حاجتك لحد البيت؟
و هم عندهم حق نوعا ما: إحنا آه كنا فين وبقينا فين.. بس برضه. ما تقوللي يا أخي قبلها بساعة، طب بنص ساعة ، طب ربع ساعة بس ألحق أرمي العيال في أي حتة وأسابق الزمن وأجيلك. حصرتك أسلوب: افتحي شباكك أنا جيت.. أنا واقف تحت البيت ده. لا يليق إلا لو أنا مثلا على ذمتك!!
بس وبرغم الحركات اللي ساعات بتضايق، نرجع نسأل نفسنا سؤال مهم:
إحنا من غيرهم نعمل إيه؟..يعني بجد، تخيلي تصحي يوم كده، تفتحي عينيك، وتكتشفي إن ما فيش دليفري.
طلبات البيت بقت معتمدة عليهم.. هدوم الصيف الجديدة مش هتوصل لوحدها.. الهدية اللي عملاها مخصوص لصاحبتك عند أصحاب براند شغل يدوي.. أدوية ماما اللي الصيدلية بتبعتها أول كل شهر..والورق الحكومي اللي بقى ييجي لحد البيت بدل طوابير مدام سعاد الدور الرابع.
مين هيشيل الشيلة دي كلها غيرهم؟! واحنا بقينا معتمدين عليهم أكتر من اعتمادنا على نفسنا!.
ولما بيكون فيه ظرف في البلد زي عاصفة والا سيول والا النت يقطع بعض السنترال ما يتحرق. ساعتها بنتخض من مدى اعتمادنا عليهم.
من الآخر، هما أبطال المرحلة، ومهما لومنا واتنرفزنا، هنطلب تاني. ولو اتلغى الدليفري يوم، الدنيا هتتلخبط: البطون هتفضى، المواعيد هتبوظ، المحلات في كل حتى هتتزحم والناس هتضرب بعض في الشوارع.!
فـ لو سمعت جرس الباب، وطلعت لقيت الشاب اللي لابس أخضر أو برتقالي واقف بيعرق،
ما تتخانقش معاه، متأخر.. جاي في وقت غير مناسب..مش صابر علينا على ما نرجع من بره ونستلم منه. برضه نعذره و نعدي له و ناخد الطلب، ونبتسم، ونقول له: تسلم إيدك يا نجم…“ مش عارفين حياتنا هيبقى شكلها إيه من غيرك!