في الماضي، في كلّ بلد عشت فيه، سواء كان بلدًا عربيًّا أم لا كانت هناك غالبًا نظرات استغراب في كل مرة أجيب فيها عن سؤال: "من أي بلد أنتِ؟". قد تختلف ردود الفعل بحسب مدى ثقافة الشخص، ومعرفته بالسياسة والتاريخ والجغرافيا، ولكنّ الكثيرين يجهلون الكثير عن اليمن وكيف يبدو هذا اليمنيّ وهذه اليمنية.
ثمّ بعد الربيع العربي وفشله، وسقوط الحكومة، والتي نتج عنها دخول اليمن في الحرب بدأت الناس تعرف اليمن كبلد يعيش في مجاعة، وإن قلت بأنك يمنيّ يستغربون بأنك ما زلت على قيد الحياة، وقد يسألون أسئلة جارحة أحيانًا.
ثمّ بدأ الحوثي ضرباته، فأصبح الوضع أكثر تعقيدًا. فهناك من يعتبره بطلًا، وبالتالي بمجرّد أن تقول من اليمن تظهر في ردّ الفعل السعادة والتهاني، و"أهلًا بكم يا أبطال" إلخ، وهناك من يقلق بأنك من مؤيّدي هذه الجماعة، وفي الحالتين هم لا يعرفون الكثير عن الإنسان اليمني.
لذلك الشيء الوحيد المتّفق عليه بين كلّ من قابلتهم في كلّ هذه السنوات، ومع كلّ التغيّرات السياسية التي حدثت بأنّ الناس لا تعرف كيف يبدو هذا اليمني، وماذا يلبس، وماذا يأكل، وهل كلّ النساء متّشحات بالسواد، وأين هم اليمنيون، ولماذا أنا دائمًا أوّل يمنية في حياة كلّ شخص قابلته.
بعد تفكير تبيّن لي أنّ هناك سببين لذلك. السبب الأوّل أنّ اليمنيين في دول الغربة ينعزلون في مناطقهم، ففي بعض الدول الغربية التي يكثر فيها اليمنيون يعيشون في مناطقهم، ويمارسون حياتهم كأنّهم في اليمن، والنساء يتّشحن بالسواد، ويرتدين النقاب والكثيرات لا يكملن تعليمهنّ، وإنّما يتزوّجن بعد الثانوية. ولا يندمجون مع المجتمع من حولهم وحتى علاقاتهم بالجاليات العربية ليست وطيدة. وفي دول الخليج الكثير من اليمنيين على العكس مندمجون جدًّا لدرجة أنّهم يتحدّثون لهجة البلد التي يعيشون فيها، ولذلك أهالي الخليج يعرفون اليمنيين، ولكن هناك أيضًا من ينكر أنه يمنيّ، ويعيش وكأنه من بلد آخر ربّما لكيلا يسمع الأسئلة، ويرى ردود الفعل المتعجّبة.
حديثي هذا عن جيلي، وعمّن سبقني، ومن هم بعدي بقليل، ولكن يختلف هذا الوضع في جيل زِدْ، الجيل الذي في عمر العشرينات حاليًّا، حيث أنه تعرّف على اليمنيين في تيك توك، شاهد ذاك الفنان وتلك المؤثرة وعرف عن ملابس اليمنيين وأكلهم.. لذلك أنا متفائلة أنّ قريبًا عندما أردّ على سؤال: "من أي بلد أنتِ؟" لن أجد نظرات الاستغراب.