في هذه الفترة من السنة، تنتعش المهرجانات والحفلات الموسيقية في المغرب، وتتحول المدن إلى منصات مفتوحة للفرح وللفن. حضرت مؤخرًا إحدى هذه الحفلات، وسط جمهور كبير حضر ليستمتع بالفن وبالرقص والموسيقى، بعيدا عن أصوات العزاء والموت التي ترفض الفن والسهرات والحفلات...
تحت مسميات ترشيد النفقات، ما يزعجهم حقيقةً هو هذا الاحتفاء بالحياة، والاختلاط، والموسيقى والرقص. شعارهم: ثقافة الأسود والموت والانغلاق.
في مثل هذه المناسبات، نرى أيضا كم هم المغاربة عشاق للفن وللموسيقى وللاحتفاء بالحياة...
لكن شيئًا مهما شدّ انتباهي: أغلب الحاضرين، وأعترف أني منهم وبنفس سلوكهم، كنا نركز على هواتفنا أكثر مما نركز على الحفل والفنانين المشاركين. نُصوّر، نُوثّق، نُشارك المشاهد. صور وفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر تطبيقات المراسلة، نقتسمها مع من نحبهم…
نقتسم اللحظة مع الغائبين، وننسى أنفسنا، نحن الحاضرون.
توقفت فجأة وتساءلت: هؤلاء الفنانون، نحن نتابعهم عادة على الشاشات. لكن، ها هم الآن أمامنا، مباشرة، نبضهم يصلنا، أصواتهم تملأ المكان… لدينا الآن امتياز اللحظة، اللحظة الحقيقية. ومع ذلك، فنحن نحرم أنفسنا منها. نعيش نصف الحفلة من خلف شاشة الهاتف، وكأننا نهيّئ نسخة افتراضية للعرض، بدل الاستمتاع بالعرض نفسه. نستعد لمشاهدة العرض لاحقا، عبر شاشة؛ بدل الاستمتاع بالعرض، الآن، ومباشرة!
هل فقدنا القدرة على العيش في "الآن"؟ هل أصبحنا نحتاج إلى إثبات سعادتنا أكثر من أن نحسّ بها فعلاً؟ هل أصبح هدفنا أن نوثق اللحظة، بدل أن نعيشها؟ أن نريها للآخرين بدل الاستمتاع بها؟ لماذا نؤجل المتعة؟ نؤجلها من أجل لحظة قد لا نعود إليها أصلاً… أو ربما من أجل إقناع الآخرين أننا كنا هناك، بدل أن نكون هناك فعلاً، بروحنا، بحواسنا، بفرحنا الصادق والمباشر؟
لن أنتظر نهاية السنة الميلادية لآخذ قرارات جديدة. منذ الآن، في مثل هذه اللحظات، سأقرر أن أهمل هاتفي في الحفلات والعروض الفنية المقبلة. سأختار أن أعيش اللحظة، لا أن أوثقها. لأن الذكرى الأجمل ليست دائمًا في الفيديو… أحيانًا، هي فقط في القلب.