في هذا العالم المليء بالتناقضات، تتجلى مفارقات مريرة: بينما يُنفق البشر مليارات الدولارات سنويًا على (صناعة) رعاية حيواناتهم الأليفة، ويكتبون لها وصايا تحفظ “حقوقها” بعد موتهم، يتسبب نفس البشر بنفوق حيوانات برية وانتهاء وجودها تماما!!
المصيبة أنهم في أثناء ذلك يراقبون موت آلاف الأطفال قصفاً، جوعًا وقهرًا تحت قصف الحروب أو في خيام النزوح دون أن يرفّ لهم جفن.
في عام 2024، تجاوز الإنفاق العالمي على الحيوانات الأليفة 270 مليار دولار، بحسب تقارير شركات الأبحاث مثل Statista وEuromonitor.
في الولايات المتحدة وحدها، أنفقت الأسر أكثر من 147 مليار دولار على الطعام والعلاج والتأمين (والعناية النفسية) للقطط والكلاب، بما فيها حفلات أعياد الميلاد والتصوير الفوتوغرافي.
في أوروبا، أظهرت تقارير فرنسية وألمانية أن بعض الأثرياء خصصوا وصايا بملايين اليورو هات لحيواناتهم، مثل القطة “شوبت” التي ورثت عن مصمم الأزياء كارل لجارفيلد ثروة تقدّر بـ13 مليون دولار.
بعض مكاتب المحاماة تنشغل في كتابة وصايا قانونية للقطط والكلاب، تتضمن تعليمات دقيقة عن نوعية الطعام، والأطباء البيطريين، وحتى من يُسمح له بمرافقتها.
تجاهل الموت
في المقابل، يعيش ملايين الأطفال في مناطق الحروب والمجاعات دون طعام ودون أمان.
في غزة، تجاوز عدد الأطفال الذين قتلتهم إسرائيل منذ أكتوبر 2023 حتى منتصف 2025 أكثر من 18 ألف طفل، معظمهم تحت الأنقاض أو في المستشفيات المنهارة. أطفال لا يملكون وصية، ولا حتى كفنًا. هناك في غزة أكبر عدد للأطفال الذين بترت أطرافهم في التاريخ!!
أما في السودان، فقد قالت منظمة اليونيسف إن هناك أكثر من 3 ملايين طفل مهددون بالموت جوعًا، نتيجة الحرب الأهلية والنزوح، في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية التي تجاهلها الإعلام العالمي.
من نحن؟
السؤال ليس عن درجة نبل الانسان في حب الحيوانات، التي يجب علينا العناية بها (كلها) بشكل بديهي!
ولكن السؤال هنا هو عن غياب الاتزان والتوازن الأخلاقي!!!!! هذا اذا اتفق البشر على تعريف الأخلاق.
كيف يمكن لإنسان أن يُبدي كل هذا الترف والقلق تجاه حياة حيوانه الأليف، بينما لا يملك القدرة – أو الرغبة – على أن يتأثر بموت طفل مجوّع في مخيم، أو آخر مبتور القدمين من غارة؟
كيف وصلت الإنسانية إلى هذا الحد الجنوني من الانفصال العاطفي؟