كثيرون حول السلطة… قليلون حول الوطن.
ثمة جملٌ لا تُقال بل تُكتَب على جسد التاريخ. جملة غاندي هذه ليست حِكمة، بل مرآة. مرآة مائلة، لا تُجامل ملامحنا. تكشف من نكون… حين نُمنَح الفرصة.
السلطة تُشبه الضوء الاصطناعي. يُغرينا بلمعانه، ثم يحجبُ عنا النجوم. من السهل أن نلتفّ حولها. أن نُصفق لمن يصعد. أن نرسم ولاءنا في دفتر الغنائم. أما الوطن، فصامت. لا يصرخ. لا يُغري. لا يطلب. فقط ينتظر أن نحضر، حين لا يرانا أحد.
كثيرون حول السلطة… لأن حولها أضواء. لأنها تصعد بنا، حتى لو على أكتاف الآخرين. السلطة لا تطلب وفاءً، تطلب مهارة وشطارة. تتسعُ للجميع، ما داموا يجيدون الرقص. أما الوطن، فهو خفيف لا يحتمل الادّعاء. يريد من يُحبّه بجهد لا يُرى، بإخلاص لا يُعلن، وبحب لا يُصوَّر. يريد من ينقّب في حجره، لا من يتصوّر على خرائطه.
حين تنكسر البلاد، نرى من كان حول السلطة فقط. وجوهٌ لا تحفظ الخرائط، لكنها تحفظ الطريق إلى الميكروفون والشاشة.
الذين حول الوطن قليلون… لأن الطريق إليه غير مبلّط. مليءٌ بالحفر، والمساءلة، والتعب. والعائد منه غير مضمون. لكن فيه المعنى. ربما لهذا كان الوطن دومًا فكرة. لا نصل إليها، بل نسير نحوها. أما السلطة، فمحطة. يصل إليها الجميع، لكنهم لا يعرفون ماذا يفعلون بعدها.
غاندي كان يعرف. كان يعرف أن السلطة، في غياب الوطن، تتحول إلى قفص ذهبي. وأن الوطن، حين يُحبّ، يتحول إلى محراب.
ربما نسينا هذا في لبنان. ربما تكدّست الوجوه في المراكز، وقلّت في الساحات. لكن الجملة باقية، تحوم فوق رؤوسنا كتحذير. كثيرون حول السلطة… والأوطان تُبنى دومًا بالقليل.