منذ بداية ولايته الثانية والرئيس دونالد ترامب يسعى الى توسيع صلاحياته التنفيذية على حساب المؤسسات الديموقراطية الاخرى التي يفترض ان تمنع الرئيس من التفرد في حكم البلاد مثل الكونغرس والقضاء. وفي هذا السياق يقوم ترامب بعسكرة السياسة الاميركية الداخلية ونشر القوات المسلحة في المدن الاميركية دون مبرر باسم صيانة الامن والنظام متخطيا بذلك السلطات المحلية، كما فعل مؤخرا في مدينة لوس انجلس.
في مطلع الأسبوع الماضي شهد الاميركيون نشر قوات الحرس الوطني ومشاة البحرية (المارينز) في شوارع لوس انجلس بولاية كاليفورنيا، على الرغم من احتجاج حاكم الولاية غافين نيوسم ورئيسة بلدية المدنية كارين باس، الديموقراطيين، حيث دعا ترامب الى اعتقال الحاكم نيوسم بشكل اعتباطي.
في وسط الاسبوع، تم اخراج عضو مجلس الشيوخ الذي يمثل كاليفورنيا، أليكس بادييا بالقوة من مؤتمر صحفي لوزيرة الامن الوطني كريستي نوم حين قاطعها بعد ان ادعت انها جاءت "لتحرير" لوس انجلس من قبضة "الاشتراكيين" الذين يسيطرون عليها. بعد اخراج السناتور بادييا من القاعة قام حراس الوزيرة بطرحه على الارض وتكبيل يديه، على الرغم من انه عرّف عن نفسه.
ويوم أمس السبت، شهدت العاصمة واشنطن عرضا عسكريا، هو الاول من نوعه بحجة الذكرى المئتين والخمسين لتأسيس الجيش الاميركي، وهو اليوم الذي يتزامن مع تاريخ ولادة الرئيس ترامب. عادة يتم الاحتفال بأفراد القوات المسلحة في شوارع واشنطن وغيرها من المدن بعد انتصار الولايات المتحدة في الحروب الخارجية مثل انتصارها ضد القوات العراقية في حرب تحرير الكويت، ولكن دون عرض للاسلحة الاميركية الثقيلة مثل الدبابات والطائرات.
ومنذ حضور ترامب خلال ولايته الاولى للعرض العسكري في باريس بمناسبة يوم الباستيل وهو يسعى الى تنظيم عرض عسكري كبير. قبل ثماني سنوات نجح وزير الدفاع آنذاك جيمس ماتيس واعتراضات السلطات المحلية على تكاليف العرض وتخريب شوارع العاصمة في اقناعه بالتخلي عن الفكرة. هذه المرة لم يجرؤ مسؤول فدرالي او محلي على الاعتراض. ولكن تم تنظيم تظاهرات احتجاج على العرض في عشرات المدن الاميركية في الولايات الخمسين تحت شعار "لا ملوك". هذا الشعار هو تذكير للأميركيين بانهم قاموا بثورة الاستقلال ضد ملك بريطاني، ورفضهم لمفهوم السلطة المطلقة.
ومنذ وصوله الى البيت الابيض اعلن الرئيس ترامب عن وجود حالة طوارئ في ثمانية مجالات لتوسيع صلاحياته والالتفاف على الكونغرس على الرغم من ان حزبه الجمهوري يسيطر على مجلسي الكونغرس. وهكذا اعلن ترامب في أبريل –نيسان الماضي عن وجود حالة طوارئ اقتصادية الامر الذي سمح له بفرض ضرائب جمركية على البضائع المستوردة، في تجاهل سافر للكونغرس. كما ان اعلانه عن وجود " غزو" على الحدود الجنوبية للبلاد مهد الطريق لحملة ترحيل المهاجرين غير الموثقين.
خلال الحملة الانتخابية قال ترامب انه سيرحل فقط المهاجرين غير الموثقين المتهمين بارتكاب انتهاكات عنيفة. ولكن عناصر حرس الحدود ومصلحة الجمارك يقومون بغارات مفاجئة ضد المحلات التجارية والمصانع والمطاعم بأسلحتهم الثقيلة واقنعتهم السوداء لإلقاء القبض على المهاجرين غير الموثقين بمن فيهم الذين يقيمون في البلاد منذ عشرات السنوات ويدفعون الضرائب مثلهم مثل غيرهم من المواطنين. وانفجرت المظاهرات الاحتجاجية في لوس انجلس بعد غارة من هذا النوع.
وعلى الرغم من اجواء الترهيب السياسي السائدة في البلاد، نقرأ يوميا مقالات تقرع ناقوس الخطر، وتحذر من انزلاق البلاد الى الحكم الأوتوقراطي او حتى الديكتاتوري، او كما قال أكثر من مشرع بمن فيهم عضوة مجلس الشيوخ الجمهورية Lisa Murkowski تعليقا على سوء معاملة زميلها السناتور آليكس باديا "هذه ليست اميركا التي اعرفها".