القمة الاميركية - الروسية في ألاسكا، والقمة الاميركية-الاوروبية في واشنطن لم تغيرا أي شيء من طبيعة الصراع بين روسيا وأوكرانيا. ولكن هذه الاجتماعات اكدت من جملة ما أكدته مركزية القوة العسكرية في العلاقات الدولية، وانحسار النفوذ الاوروبي، ومتانة العلاقات الشخصية بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والاميركي رونالد ترامب .
لخصت الصور التي بدا فيها الرئيس دونالد ترامب وهو يتحدث كأستاذ جامعي امام سبعة قادة اوروبيين وكأنهم طلاب في حلقة دراسية خاصة بعدما ارسل مديرة البروتوكول في البيت الابيض لاستقبالهم، مدى اختلال التوازن الاستراتيجي والاقتصادي والسياسي بين الولايات المتحدة التي يحكمها رئيس يطمح لان يكون حاكما بأمره، وقادة قارة متقدمة في السّن تعيش في ظل دولة توسعية اسمها روسيا تواصل قضمها المنظم والدموي لأوكرانيا، احدى أكبر دول القارة.
اجتماعات ألاسكا وواشنطن وفرت للرئيس الاميركي ترامب الفرصة لإعادة الاعتبار للرئيس بوتين الذي اصدرت محكمة الجنايات الدولية مذكرة بتوقيفه بتهم ارتكاب جرائم حرب، تشمل خطف الاف الاطفال من أوكرانيا. جاء بوتين الى الاسكا للإفلات من عقوبات اميركية هدد بها ترامب، ولإقناع الرئيس الاميركي بعدم جدوى التوصل الى وقف لإطلاق النار . ولم يحقق بوتين هذه الاهداف فحسب، بل حصل من ترامب على استقبال حار ودافئ كحليف مقرّب.
وعاد الرئيس ترامب الى اعتماد السردية الروسية للحرب، بما في ذلك ادعاءات بوتين حول ما يسمى ب "جذور الحرب"، وتوجيه اللوم الى أوكرانيا وحلف الناتو بتهديد روسيا وارغامها على استخدام القوة العسكرية. ووصل الامر بترامب الى العودة الى التلميح بان أوكرانيا هي التي بدأت الحرب، وليس روسيا، قائلا " لا يمكنك مواجهة دولة هي عشرة اضعاف حجمك".
يتحدث جورج أورويل في روايته البائسة "الف وتسعمائة واربعة وثمانين" عن تشويه اللغة وقلب المعاني رأسا على عقب مثل الادعاء بان " الحرب هي السلام، والحرية هي العبودية والجهل هو القوة". في منظور ترامب أوكرانيا هي المعتدي وروسيا هي الضحية.
بين الاسكا وواشنطن استمتع الرئيس ترامب بمديح وشكر زواره على جهوده السلمية، وشمل الثناء على ترامب تملقا واضحا دغدغ غروره. الاجتماعات ناقشت قضايا اجرائية مثل عقد قمة ثنائية بين بوتين وزيلينسكي، ونقاش عام حول الضمانات الأمنية لأوكرانيا، ولكنها لم تتطرق الى القضايا الجوهرية مثل مصير الاراضي الاوكرانية المحتلة، واستقلال اوكرانيا كدولة ذات سيادة.
واذا استمر ترامب على رفضه نشر قوات اميركية في اوكرانيا في حال التوصل الى اتفاق، من المرجح ان ينضم النزاع الروسي-الاوكراني الى سلسلة النزاعات "المجمدة" في العالم. هذه النزاعات القديمة ومن بينها النزاع بين الهند وباكستان حول مستقبل ولاية كشمير تنفجر عسكريا بين وقت وأخر ولكنها تبقى دون حلول سياسية. النزاع بين روسيا واوكرانيا مرشح للاستمرار لوقت طويل لان القضايا الخلافية عميقة جدا وحتى وجودية .