تميزت تصريحات الرئيس دونالد ترامب في الايام الماضية حول التوصل الى وقف اطلاق نار مؤقت في غزة، والتوصل الى اتفاق نووي مع ايران بالتفاؤل والايجابية، ما وضعه في موقف متعارض مع نوايا ومواقف رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو.
أفضل وصف للسياسة الخارجية للرئيس ترامب، وخاصة في الشرق الاوسط هو انها تنطلق من شعار او ما يمكن وصفه "بمبدأ ترامب"، أي تحقيق الاهداف التي تخدم المصلحة السياسية والاقتصادية والاستراتيجية للولايات المتحدة دون استشارة حلفاء واشنطن مسبقا، حتى عندما يكونوا معنيين مباشرة بقراراته. سلوك ومواقف ترامب وكذلك مبعوثه للشرق الاوسط ستيف ويتكوف حول غزة وايران تؤكد بوضوح هذا التوجه.
حين سؤاله قبل ايام عما اذا كان قد حذّر نتنياهو من مهاجمة ايران، اجاب الرئيس ترامب بالإيجاب، قبل ان يعدل من كلامه ليضيف "قلت له ان هذا غير مناسب الان لأننا قريبون جدا من التوصل الى اتفاق مع ايران". وعكس ترامب موقفا مماثلا حول غزة حين قال "نحن قريبون جدا من اتفاق حول غزة ".
وحين يقول ترامب انه يبحث مع اسرائيل " لنرى ما اذا طان بالإمكان التوصل الى وقف القتال بأسرع ما يمكن" فان ذلك يعكس عزلة اسرائيل الدولية، كما يبين المسافة الواسعة التي تفصله عن نتنياهو الان مقارنة بمواقفه فور وصوله الى البيت الابيض قبل اشهر حين تبنى معظم مواقف اسرائيل وحين حمّل حركة حماس وليس اسرائيل مسؤولية استمرار الحرب.
الامر اللافت هو ان تصريحات ترامب جاءت بعد انتقادات قوية لاسرائيل صدرت عن المانيا وايطاليا ومطالبتهما بوقف اطلاق نار فوري والافراج عن الرهائن، وبعد البيان الثلاثي لكندا وبريطانيا وفرنسا الذي انتقد توسيع الحرب وحذّر من اتخاذ اجراءات عقابية ملموسة اذا استمرت اسرائيل على نهجها.
يتضمن الاقتراح الاميركي الذي قدمه المبعوث ويتكوف للطرفين وقف اطلاق نار مؤقت يستمر لستين يوما، والافراج عن ثمانية وعشرين رهينة اسرائيلية أحياء او رفات خلال الاسبوع الاول، وافراج اسرائيل عن حوالي الف وثلاثمائة أسير فلسطيني واستئناف المساعدات الإنسانية لسكان القطاع، ومفاوضات خلال الفترة الانتقالية للتوصل الى وقف اطلاق نار دائم. وتضمن الولايات المتحدة ومصر وقطر تنفيذ الاتفاق.
ويقتضي التنويه ان هذه التطورات تأتي على خلفية تزايد التوتر بين ترامب ونتنياهو واستياء الائتلاف اليميني المتطرف الحاكم في اسرائيل لان ترامب يصر على اتخاذ قرارات تمس احيانا بمصلحة اسرائيل دون استشارتها مسبقا. والامثلة على ذلك كثيرة، مثل التفاوض المباشر مع حماس، وهو أمر لم تفعله في السابق أي ادارة اميركية، ومفاجأة ترامب لنتنياهو وهو في البيت الابيض بالاعلان عن بدء المفاوضات الاميركية-الايرانية المباشرة ، وكذلك التوصل الى اتفاق وقف اطلاق نار بين الولايات المتحدة والميليشيات الحوثية في اليمن دون اعلام اسرائيل او حتى بريطانيا التي تشارك الولايات المتحدة في القتال ضد الحوثيين. واخيرا رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا وبدء عملية التطبيع بين واشنطن ودمشق رغم معارضة اسرائيل لذلك. ويمكن وضع تجاهل ترامب التوقف في اسرائيل خلال جولته الخليجية في هذه الخانة.
وبانتظار التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار، تستمر الكارثة الانسانية في غزة، بسبب سياسة التجويع والحصار القاسية التي تمارسها اسرائيل، على الرغم من الادانات الدولية، واعتبار هذه السياسة من قبل دول ومنظمات دولية بانها ترقى الى مستوى جرائم حرب.