في المغرب، كما في بلدان كثيرة، اعتاد بعض الرجال أن يسخروا من اهتمام النساء بكرة القدم. كانت العبارة الشهيرة التي تُوجَّه لهن كلما أبدين رأياً في مباراة أو فريق: "كوزينتك"، بمعنى: "عودي إلى مطبخك"، وكأن كرة القدم حكر على الرجال، والمطبخ هو المكان الطبيعي للنساء.
لكن، في الشهور الأخيرة، تغيّرت الكثير من الأمور. برزت نوادٍ نسائية قوية في العالم، بما فيها المنطقة المغاربية. المنتخب المغربي النسوي، في مختلف فئاته، حقّق إنجازات لافتة: في كرة القدم داخل الصالات، فاز مؤخراً بكأس إفريقيا، وتأهل منتخب الشابات إلى بطولات دولية، وغيرها من النجاحات التي صنعت فخراً جماعياً.
في المقابل، ظهر شعار جديد على مواقع التواصل: "نتا اللي كوزينتك!"، يُوجَّه للشباب هذه المرة، كردّ ساخر على ما كان يُقال سابقاً. يرى البعض أن هذا الشعار يُفرح النسويات، لكنه في الحقيقة لا يحمل أي مضمون تحرّري؛ بل هو مجرد استمرار للمنطق الذكوري نفسه، وإنْ جاء معكوسا.
الكوزينة، أو المطبخ، مكان يدخل إليه من يُحب الطبخ. هو ليس عقاباً، وليس امتيازاً. وهو مسؤولية مشتركة داخل الأسرة. لا توجد جينات تجعل المرأة أكثر كفاءة فيه. هي فقط التربية، والتنشئة، والعادات.
أي خطاب يُملي على الآخر أين يجب أن يكون، هو خطاب مرفوض. إذ، حين يعيش شخصان أو أكثر تحت سقف واحد، يفترض أن يتقاسموا المهام بالاتفاق، وبما يُجيده كل طرف. أما أن نقرّر، بمناسبة فوز أو خسارة فريق، من يدخل المطبخ، فهذا كلام لا علاقة له بالكرة ولا بالحقوق.
تماما كما هناك رجال يعشقون الطبخ ويتفننون فيه، فهناك نساء يعشقن كرة القدم كلاعبات أو كمتفرجات. فلنتعلم، رجاء، أن نحترم حق الآخر في حب كرة القدم أو المطبخ أو هما معا. ولنتعلم أن الطبخ ليس من صفات الأنوثة ولا هو انتقاص من الرجولة، هو فقط دليل على قدرتنا على ألا نموت جوعا إذا أغلقت محلات بيع الأطعمة وشركات التوصيل. تماما كما أن عشق كرة القدم ليس تخصصا رجاليا، بل هو هواية فردية وجماعية تصنع الفرحة. فلماذا نخلطها بخطابات الذكورية السامة أو حتى بخطابات تدعي النسوية في غير محلها؟