تفكر في حياة شخصيات معروفة وناجحة، فَتُصاب ببعض الغيرة لأنك تعتبرهم محظوظين. لكن، ماذا نعرف حقًّا عن حياة هؤلاء؟
لنتخيل، على سبيل المثال لا الحصر، المغنّي الذي يدخل الخشبة ليُبهرنا، بينما ربما يعيش وجعا شخصيا لا نعرفه: اكتئابٌ لا يراه أحد، مرض شخص قريب، وما إلى ذلك من التفاصيل التي قد لا نعرفها. تلك الممثّلة الكوميدية التي نضحك لنكاتها، لعلها ربما بَكَت قبل التصوير بدقائق. ذلك الصديق الذي نراه ناجحا في حياته المهنية، غنيا؛ ماذا نعرف عن تفاصيل حياته وتوتره ومشاكله؟ زوجة ذلك الفنان المشهور التي تحسدينها، لعلها ربما تعاني في حياتها معه، بينما لا ترين إلا ماله وشهرته!
هي ليست الحكايةَ المبتذلة التي تقول إن الأغنياء بالضرورة تعساء؛ فلنا جميعا نصيب من الفرح والتعاسة، أغنياءَ كنّا أو فقراء. الحكاية أن ذلك الذي تحسده على حياته، أنت لا تعرف تفاصيلها ومعاناتها الخفية.
كذلك، حين ننصّب أنفسنا قضاةً على اختيارات الآخرين، فنحن نرتكب نفس الخطأ. ندين امرأةً تستمر في علاقتها مع زوج يعنفها ونتساءل: "لماذا لا ترحل ببساطة؟"؛ بينما عشرات البحوث تشرح تعقيدات العلاقات السامة التي يكون فيها شخص ضحية عنف جسدي أو نفسي، لكنه غير قادر على المغادرة... نحن نحاكمها بمعاييرنا الشخصية وبقدارتنا الصحية والنفسية التي لا تعرف نفس الهشاشة التي تعيش تحتها الضحية، والتبعية الاقتصادية والخوف وحتى تلك السطوة النفسية التي لا يعرفها إلا مَن عانى منها. وبدل أن نفهمها، نقسو عليه بأحكامنا.
ببساطة، لننظر للآخرين ببعض الرحمة، لأننا لا نعرف ظروفهم. صورُ النجاح لا تخبرنا بالكواليس، والزيجات السعيدة على الانستغرام لا تخبرنا بما يحدث في غرف النوم. قدرتنا على التعامل مع أشخاص سيئين والحسم، ليست هي قدرة الآخرين، لأن لكل منا مسارَه الشخصي.
ربما أننا نحتاج أن نتخلص من أحكامنا وأن نفهم أننا لا نرى إلا بعضا من كلّ. بأن للجميع صعوباته التي قد لا نراها، وألمَه، وضعفَه، وخوفه وشكوكه... وبأن ما قد نعتبره ضعفا، هو في الحقيقة وجع كبير ودوامة ليس من حقنا أن نلوم من هو غارق فيها.