لا أستطيع أن أتعامل مع الخبرين كأنّهما "مجرّد مستجدات عابرة".
الحديث عن “جرائم الشرف” يجعلني أتساءل بغير قليل من الغضب: كيف يعتبر أحدهم أن شرفه مُعلَّق بحياة وبجسد وباختيارات شخص آخر؟ وكيف يُطَبّع المجتمع مع هذا الأمر؟
قبل أيام، صادَقَت الكويت على تعديلٍ مهم، حيث ألغت المادة 153 من قانون الجزاء التي كانت تمنح قاتلَ زوجته أو أخته أو ابنته عذراً مُخففاً إذا ادّعى أنّه "دافع عن شرفه". خطوةٌ جريئة تُعيد تعريف سيادة القانون والحقوق، لأن القتلَ قتلٌ، مهما اختبأ وراء لافتة الشرف.
لكنّ الفرحة لم تكتمل. في مصر، أصدرت محكمة جنايات بورسعيد حكماً ببراءة شابٍ ضربَ أُمَّه حتى الموت بدعوى الدفاع عن الشرف! تخيّلوا: أمّ تُقتَل من طرف ابنها، ثم يُقال لنا إنّ القاضي "راعى البعد الإنساني"! أي بعد إنساني هذا الذي يتعاطف مع القاتل؟
المفارقة أنّنا غارقون في مصطلحات من قبيل: "غسل العار"، "ردّ الاعتبار"، "شرف العائلة"… بينما الحقيقة أبسط بكثير: إنّه قتلٌ بدمٍ بارد، تُشرعنه أعرافٌ وقوانين متواطئة.
منذ سنوات وأنا أكتب، ومعي كثيرات وكثيرون، أن قوانين بعض دول المنطقة تُؤمِّن ملاذاً آمناً للقتلة حين تُخفِّف عقوباتهم، فقط لأنّ الضحية امرأة.
ما الذي تعلِّمُه هذه الأحكام لفتاةٍ صغيرة ترى أمّها أو أختَها تُقتل باسم الشرف؟ ماذا يتعلّمُه ولدٌ يراقب المجتمع يُصفِّق لذكورته السامة كلّما مارس العنف؟ حين تُبرَّر الجريمة بغطاء القيم والشرف، نحن لا نحمي الأخلاق؛ نحن نكتب تصريحَا بعنفٍ جديدٍ وقتل جديد في بيتٍ آخر.
لذلك، لا تكفي التعديلات الجزئية هنا وهناك. نحتاجُ إلى نسفٍ جذري لكلّ نصٍّ يجعل حياة النساء رهينة "حساسية" رجلٍ أو ذكورية قاضٍ. نحتاج إلى قوانين تدرك أنّ الشرف قيمةٌ فردية لا تنتقل بالوراثة، وأن كرامةَ وحرية المرأة ليست مِلكيةً عائلية أو جماعية.
ما حدث في الكويت يعطينا بصيص أمل. وما حدث في مصر يجعلنا ندرك كم هو طويل الطريق. في النهاية، لنتذكر: لا وجود لشيء اسمه "جريمة شرف"؛ هناك جريمة قتلٍ فقط.