وأنا أريد أن أدخل الباص لاحظت شخصًا رغم أنه لا ينظر إليّ إلا أنّي شعرت بنظراته وتوتره، فشعرت بانزعاج، عرفت مباشرة أنه عربي، يحاول أن يغضّ بصره ولكن بطريقة خاطئة.
فيديو لطفل وهو يمشي من أمام امرأة وينظر للأرض بطريقة متكلّفة مع موسيقى دراماتيكية لكي يشعر المشاهد بعظمة هذا الطفل الذي غضّ بصره ولم ينظر إليها. طريقة هذا الطفل كانت فيها مبالغة، وكأنّ المرأة كائن شيطاني عليه تجنّبه، لم تكن الطريقة مؤدّبة، وإنما في رأيي أنها كانت مهينة للمرأة التي مرّ بجانبها.
وأنا أمشي في الشوارع، وأنتقل في الباصات والمترو لا أشعر بأنّ أحدًا يهتمّ، لا أحد يهتمّ كيف أمشي، ولا كيف شكلي، سواء رجالًا أو نساء الجميع مهتمّ بنفسه، ولا ينظر إليك. أشعر بالراحة فأنا أتضايق عندما يبحلق الناس. أتذكّر جيّدًا في اليمن ودول عربية أخرى أنّ الناس تنظر لك بطريقة مزعجة. حتى النساء في اليمن يبحلقن في النساء وكأنهنّ يقمْن بتحليل كامل من الأعلى للأسفل، وكأنهنّ مكلّفات بكتابة تقرير عن كل امرأة يصادفنها في طريقهن. عندما بدأت شخصيتي تكون أقوى وبعد سفري أصبحت أقوم برد فعل بمجرّد أن يضايقني أحدهم بنظراته، ردّة الفعل هذه هي أن أبحلق في الشخص بغضب وأقول: "هل هناك شيء؟" فيستحي الشخص الآخر ويبعد نظره عنّي.
نعود للطفل الذي يغضّ بصره، هذا الطفل في الفيديو تتمّ تربيته أنّ المرأة مخلوق مغرٍ ومؤذٍ، ويتسبّب في دخولك النار، ومن المفترض ألّا تتواجد المرأة في الشارع وإنما تُحبس في البيت. هذا الطفل يتعلّم بأنه عندما يغضّ بصره فهو يغضّه بطريقة مَن يقول: "لماذا أنت هنا؟! لا أريد رؤيتك"، وهي طريقة مختلفة تماما عن غضّ البصر الذي أشاهده في السويد حيث أنّ عدم البحلقة في الشخص سواء كان ذكرًا أو أنثى سببها احترام خصوصية الشخص، وعدم التدخل في شؤونه.
أنا أتضايق من البحلقة عندما يتفرّج الشخص بطريقة وقحة، ولكنني أيضا أتضايق عندما يقوم رجل بغضّ بصره ولكن بطريقة تقول ضمنيًّا: "أنتِ عورة وإثم". أنا مع أن نغضّ جميعنا أبصارنا ليس لأنّ الآخر خطيئة، ولكن لأننا نحترم خصوصيته وحريته في أن يكون كما يريد دون أن نضايقه بنظراتنا.