كبرنا ونحن نعتقد أن الأوسمة العالمية التي يتلقاها المبدعون والمنجزون حقيقية وصادقة مثل كل الترهات التي صدقناها عن إنسانية الدول التي تدعم المجازر والتجويع في غزة دون أن يرف لها جفن!
فجاء الزمان الذي اكتشفنا فيه أن جائزة نوبل للأعمال الفذّة، ما هي إلا أداةٌ رمزية تُلمّع وجه النظام العالمي القبيح.
الجائزة التي كان يُنظر إليها كذروة المجد الإنساني، تحملُ تناقضاتٍ تفضحُ روح عصرٍ يكافئ القوّة لا العدالة، ويصفّقُ للسلام متى كان على مقاس مصالحه.
جائزة نوبل، التي أُسست على إرث ألفرد نوبل، مخترع الديناميت، (على أساس) جاءت كتوبة متأخرة عن اختراع دمويّ. لكن يبدو أن هذه “التوبة” لم تُغَيِّر في جوهر اللعبة: إنها جائزة سياسية بامتياز، تُدار من المركز، وتُمنح لمن “ينفع” المركز.
فكم من مرة صعد القتَلة إلى المنصة؟ وكم من مرة صافح حاملوها أيدي الاحتلال الدامية؟
هل تذكرون عندما مُنحت لمهندس المجازر على أنه رجل سلام؟
ألم تُكرَّم شخصيات لم يكن لها من الإنجاز إلا قبولها الانخراط في نظام تطبيعي يُشرعن الاغتصاب الاستعماري؟
وألم يُستبعَد عنها آخرون – كتلميذٍ لم يُرضِ المعلم – لمجرد أنهم قالوا “لا” للهيمنة الغربية؟
من يكافئ من؟
في عالمٍ تحتكره الرواية المنتصرة، تصبح الجائزة أداة لإعادة رسم “الأبطال” و”المنبوذين”.
فالعالِم الذي يرفض التطبيع، أو الأديب الذي يكتب عن فلسطين دون “توازنهم”، أو المناضل الذي لا يعترف بشرعية الاستعمار – لا مكان له على قائمة الفائزين.
بينما قد يُكرَّم من يشجب المقاومة، أو يكتفي بعبارات رمادية لا تُغضب الغرب، أو يسير في ركب سلامهم المزعوم.
نوبل، بهذا المعنى، لا تُكافئ الحقيقة دائمًا، بل تكرّم “الخطاب المقبول”، وتمنحُ “الشرعية” لمن يصادق على قواعد النظام الدولي كما هو. هي شكل من أشكال المصادقة الثقافية على السُلطة، مهما غلّفت نفسها بشعارات أخلاقية.
هل سألتم أنفسكم؟
كيف يمكن أن تُمنح الجائزة ذاتها لعالمٍ أنقذ أرواحًا، ولجنرالٍ ساهم في سحقها؟
كيف تجاورُ صورة طفلةٍ تحت الأنقاض، صورة رجلٍ يرفع نوبل بابتسامة سياسية؟
هل فقدنا الإحساس بالعدالة، أم أننا نعيش في زمن لا مكان فيه لبراءةٍ خالصة، حتى في الجوائز؟
ربما آن الأوان لنسحب من وسام الديناميت تلك الهالة المطلقة. أن نراها كما هي: مؤسسة غربية، تحتكم لمصالح السلطة أولًا، وتُكافئ من يخدم سردياتها ثانيًا، ثم تتجمّل بالبهرجة (الإنسانية) كغطاء.
يكفينا هذا الانبهار بجوائزهم، لنكتب تاريخنا بحسب الأثر الخيّر للبشرية، النزاهة، الحق، والموقف من الإنسان وكرامته.