لا ينفع أنْ تراوح مكانكَ يا سيدي. وأنتِ يا سيدتي، لا ينفع أنْ تشبكي يديكِ منتظرة أنْ تنفرج الدنيا في وجهك. لن يُنهِضكما أحد، إذا أنتما لم تنهضا. ولن يبتسم لكما حظّ، إذا أنتما مغلقان عليكما باب الغرفة، متمترسان بين أربعة حيطان، فعلياً ونظرياً.
لستُ أخترع البارود بكلامي هذا. حقاً، لكي ينجح المرء في حياته، ولكي يحقق غاياته، لا ينفعه أنْ يكون كائنًا متلقيًا، بل ينبغي له أنْ يكون مبادِرًا، وفاعلًا، وديناميكيًّا، وعنيداً، ومنتصرًا على سلبيته، وخارجًا من شرنقته، باحثًا بإصرار عن الطريقة التي تمكّنه من الفوز وتجسيد رغباته والطموحات والأشواق المحلومة.
أيام المدرسة، كان الأساتذة يكررون على مسامعنا جملة "من جدّ وجد"، وكنا نحن الطلاب والطالبات نتأفف ونتهكم ونعتبرها كليشيه. ثم قرأتُ يوما لمارك تواين جملة مشابهة مفادها: "لا تبق منتظرا حتى تأتيك سفينتك. اسبح إليها"، وتذكّرت طفولتي، وفهمتُ أهمية الإصرار على الجد والكدّ والسعي. لكي تركب السفينة فعليًّا وواقعيًّا وعمليًّا، لا يمكنكَ أنْ تنتظر مجيئها إليك، بل عليك أنْ تذهب بنفسكَ إلى المرفأ. لا بل عليك أيضاً أنْ تشتري بطاقة سفر، وتجهّز جوازكَ، وتحزم شنطتكَ، وتستأجر غرفة في فندق في المدينة التي ستنزل فيها، لكي عندما تصل إلى غايتكَ، يكون كل شيء مسهلا، والطرق معبدة أمامك.
هناك نوعان من الناس: الشخص الذي يبادر، والشخص الذي ينتظر المنّ والسلوى من السماء. الأول هو الذي تنفتح أمامه الاحتمالات، لأنه يعرف تماماً أنها، هذه الاحتمالات، ستكون مستحيلة، أو في أحسن الأحوال، افتراضية، إذا لم يطرق هو أبوابها. كثر يعتمدون على الحظ، ولا شك أن الحظ عامل مهم، لكنه لا يكفي. لا بدّ من أن نفعل شيئًا لكي ينخلق هذا "الشيء". بدون ذلك الفعل، يستحيل علينا ان نصل إلى مبتغانا.
إنّما المرء باجتهاده، وكفاحه، وخروجه إلى العلن لملاقاة الضوء. وإلّا حكم على نفسه بالمراوحة، والانتظار، وحتى باليأس.
في اختصار، من دون أن نشق الموج، يستحيل أن نجتاز البحر.
في اختصار، من جدّ وجد!