في وجه الأنظمة الاستبدادية والسياسات الظالمة، يبرز الإضراب والعصيان المدني كوسيلتين فعّالتين وسلميتين للتعبير عن الرفض، وتحريك الرأي العام، والضغط على مراكز صنع القرار. ورغم الطابع السلمي لهاتين الوسيلتين، إلا أن تأثيرهما التاريخي كان عميقًا وغيّر مجريات أحداث سياسية وحتى عسكرية في عدد كبير من الدول.
ما هو العصيان المدني والإضراب؟
هما بالأصل حِراك اجتماعي منظم.
فالعصيان المدني هو امتناع جماعي ومنظّم عن الانصياع للقوانين أو الأوامر التي تُعدّ ظالمة، بهدف إحداث تغيير سياسي أو اجتماعي. أما الإضراب، فهو توقف منظم عن العمل، (وغالبًا ما يستخدم في السياقات العمالية)، لكنه يمكن أن يتحول لأداة سياسية واسعة التأثير.
من أبرز الأمثلة التاريخية حركة غاندي في الهند ضد الاستعمار البريطاني. استخدم غاندي أدوات مثل "مسيرة الملح" والإضرابات العامة والعصيان المدني الواسع، واستطاع من خلالها أن يُنهك سلطة الاحتلال، ويُقنع العالم بعدالة القضية الهندية، مما مهد في النهاية لاستقلال الهند.
كذلك، في الولايات المتحدة خلال حركة الحقوق المدنية في الستينيات، قاد مارتن لوثر كينغ حملات عصيان مدني سلمية ضد الفصل العنصري، عبر الاعتصامات والمقاطعات، ما ساهم بشكل مباشر في تغيير القوانين الأمريكية لصالح المساواة.
أما في جنوب إفريقيا، فقد كان للعصيان المدني دور في كسر نظام الفصل العنصري، وكان من أبرز أدوات نيلسون مانديلا السياسية قبل اعتقاله.
جوهر العصيان والإضراب: أن نرفض أن نكون صامتين حين يُرتكب الظلم.
لا تستطيع هذه الوسائل أن تسقط أنظمة أو توقف الحروب وحدها، لكنها بالتأكيد تُحرّك الرأي العام وتوجع السلطة، وتُظهر عمق الظلم الواقع على فئة أو شعب، مما يدفع الحكومات والشعوب إلى إعادة النظر في مواقفها. قوة هذه الأدوات تكمن في أنها تعري العنف السلطوي، وتكشف زيف الشعارات الرسمية، وتمنح أصحاب القضية أدوات ضغط فعالة.
لذلك من الطبيعي أنك ستجد أن السلطات ستعارض هذه الوسائل و(ستحاول التشكيك في جدواها)!
يصنع العصيان المدني والإضراب بممارسة الصمت عن ممارسة الحياة اليومية، وهي وسيلة قوية لا يُستهان بها حين تكون منظمة ومبنية على (وعي جمعي). هي وسيلة لتذكير السلطة أن شرعيتها تنبع من الشعوب، وأن استمرار الظلم لن يمر دون مقاومة.