أضحكني تعليق كتبه أحدهم ردًّا على قولي بأنّ الدولة العلمانيّة هي أفضل خيار، قال غاضبًا: "لقد جرّبنا العلمانيّة مسبقاً فقولي لي ماذا استفدنا!"، ولا أدري ماذا يقصد بـ "جرّبنا العلمانيّة"، فبحسب معرفتي أنّ أغلب الدول العربية إن لم تكن كلّها ما زالت تحكم تحت البند الدستوري الذي يتحدّث عن دين للدولة، وتفرضه قوانين وفقًا لهذا النّصّ. فأين هي العلمانيّة؟
مؤخّرًا تابعت ما يحدث في العراق من جدل بخصوص تعديل قانون الأحوال الشخصيّة. مخيف أنّنا نرى كيف أنّ حقوق المرأة تتراجع في عدّة دول خاصة الدول التي تحكمها جماعات دينيّة تريد أن تفرض أفكارها الهدّامة على مجتمعات في دول انهارت نتيجة للحروب التي مرّت بها.
صحيح أنّ هذه الدول لم تكن علمانيّة تمامًا، ولكن كانت هناك قوانين مدنيّة تحافظ على حقوق المرأة، والطفل، و-نوعًا ما- الأقلّيات، ووقّعت هذه الدول على الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، ولكن ماذا حدث بعد أن مرّت هذه الدول بحروب؟ للأسف سيطرت الجماعات الدينيّة بأشكالها المتنوّعة، ورغم الخلافات التي بين هذه الجماعات إلا أن الخطر الكبير هو أنها تتّفق في الأمور التي تهدم المجتمع، وتعيده للوراء؛ خاصة الأمور التي تتعلّق بكبت الحريات، تزويج الصغيرات، واضطهاد الأقلّيّات، فتصبح هذه الدول الجديدة دولًا تتصارع فيها الجماعات الدينيّة، وتحكمها قوانين العصور المظلمة.
بالتأكيد العلمانيّة هي الحلّ؛ فالدولة العلمانيّة لا ترتكز على شرائع عفا عليها الزمن، ولا تضطرّ للدخول في دوّامة تناقضات بين ما تقوله الشرائع المختلفة حتى داخل الدين الواحد. العلمانيّة أساسها قوانين وضعها البشر تتواءم مع ما وصل إليه التطوّر البشريّ، والوعي بحقوق الانسان والحيوان والطبيعة، وهي قابلة للتطوّر والتّعديل. عندما نصل لهذه الدولة عندها ستكون مشاكلنا أقلّ بكثير ممّا هي عليه اليوم.