ننتظر ماذا، هنا في لبنان والجوار؟ هل ننتظر الفرج، السلام، البحبوحة، أم ننتظر الموت الذي يُريح المرء من كل عناء؟!
هنا، حيث الناس العاديون، الرازحون تحت الوطأة الدسمة، نعدّ الوقت البطيء بالثواني الثقيلُ عبورُها والفادحُ عطبها. يقول المرء في ذات نفسه: ماذا بعد؟ ماذا بعد. إذا كان لا بدّ من نهاية، فلتكن الآن، أو بعد قليل. كلّ إرجاء، كلّ إبطاء، هو إهانة للحياة، للنفس، للكرامة الإنسانية في معانيها البديهية البسيطة.
هنا، وفي الجوار، حيث الوحوش البشرية تسرح وتمرح وتدمّر وتقتل وتمارس طغيانها و... "تعيش"، لا قيمة لهذا الذي يُقال أعلاه، لأن "الوحوش" هذه لا تتألم، لا تجوع، لا تصاب بالكوابيس، ولا تفكّر.
الفلسفة تقول بألسنة فلاسفتها، هناك خطأ ما مرتكَب منذ البداية، منذ بداية الكون، ويستحيل تصحيحه، أو الرجوع عنه. والحال هذه، تكمل الفلسفة حكمتها، لا بدّ من التعايش مع هذا المصير المحتوم، لا بدّ من الرضوخ.
لكن كيف؟
بعضنا يُجنّ. بعضنا يُصاب بالاكتئاب. بعضنا "يتسلى" بالنسيان، بالهرب، بالتجاهل.
كثرٌ آخرون يريدون أن "يتعلموا"، فيحاولون بدون جدوى العثور على طريقة، لكنهم لا يعرفون كيف "يتعايشون" مع هذه المعادلة الصمّاء البكماء العمياء، التي لم يتمكن أحد حتى الآن من فتح ثغرة جوهرية حقيقية بسيطة في جدارها المنيع.
ذلك أن المعضلة على بساطتها، بالغة التعقيد؛ فلا "الوحش" يريد، أو يستطيع، الانقلاب على توحشه، ولا "الإنسان" يطمح، أو يريد، أن يصير "وحشاً".
في الغرف المغلقة، في الكتب، في رطوبة الحبر، وفي الوقت الذي يمرّ بانتباه شديد، يتساقط وردٌ كثيف شبيه بالروح، ييبس، ينخلع، ينعطب، ويذهب إلى عدم.
وعجلة الوجود مستمرة في الدوران، كأن شيئا لم يكن، كأن فاجعة الحياة هذه لا تكون.