على مشارف الذكرى الحادية والعشرين للحرب الأميركية – البريطانية التي استهدفت العراق، لم ينهض هذا البلد تماماً حتى اليوم ولم يستعد دولته بكل معنى الكلمة وكذلك دوره في محيطيه العربي والإقليمي. وأثبت تسلسل الأحداث منذ العام 2003 أن إسقاط العراق كان بمثابة الزلزال الذي لا تزال ارتداداته مستمرة في خلخلة بلاد الرافدين والنظام الاقليمي العربي .
والآن بعد كل هذه السنوات العجاف وما تخللها من تناغمات وتجاذبات أميركية – إيرانية حتى 2010، وانسحاب عسكري أميركي في 2011، وعودة عسكرية لواشنطن في 2014 بالتزامن مع إعلان دولة الخلافة المزعومة إلى توتر بين الولايات المتحدة وإيران على الساحة العراقية خلال إدارة الرئيس دونالد ترامب ومنذ بدء الحرب على غزة، يتضح لنا بقاء العراق من المسارح الأساسية لتصفية الحسابات الإقليمية والدواية، وعدم النجاح في إعادة بناء الدولة العراقية نظرا لعدم اكتمال شروط المصالحة الوطنية الحقيقية مع طغيان الفساد في نظام محاصصة يكاد يفرغ المؤسسات من محتواها وفعاليتها.
ومنذ منتصف أكتوبر/تشرين الأول، استهدف أكثر من 165 هجومًا صاروخيًا وغارة بطائرات دون طيار جنودًا أمريكيين، في قواعدهم في سوريا والعرأق والأردن ، وهو العنف الذي أججته الحرب في غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية.
وأعلنت "المقاومة الإسلامية في العراق" مسؤوليتها عن معظم هذه الهجمات، وهي مجموعة من المقاتلين الموالين لإيران تحت قيادة كتائب حزب الله.
في موازاة بعض الردود الاميركية على الميليشيات الموالية لإيران، شهد العراق ضربات تركية (معتادة) ضد مواقع لحزب العمال الكردستاني وضربات استعراضية لحرس الثورة الإيراني ضد أربيل. وكل ذلك يزيد من التحدي للدولة المركزية.
وادى مصرع ثلاثة جنود اميركيين في الأردن بضربة من الميليشيات الموالية لايران ، إلى قيام واشنطن بضربات إنتقامية في الثالث من فبراير في سوريا والعراق ، والقيام بعملية اغتيال لاحد المسؤولين المفترضين عن الهجمات في كتائب حزب الله في العراق وقد انتقد العراق الرسمي هذه الضربات الأمريكية، حيث اتهمت بغداد التحالف المناهض للجهاديين بقيادة واشنطن في الشرق الأوسط أنه اصبح "عاملا لعدم الاستقرار".
ومنذ تصاعد الضربات والضربات المضادة كررت حكومة السوداني طلبها التعجيل بانسحاب القوات الأمريكية . لكن واشنطن على لسان مسؤوليها تكرر ان هذا الأمر غير وارد في ظل الظروف الراهنة. أما طهران فتكرر عملية الاستنكار وتتمسك اكثر فأكثر بنفوذها في العراق .
يبرهن كل ذلك على بقاء العراق كما كل الاقليم رهينة لصراع يتجاوز المسألة الفلسطينية نحو حسابات تتعلق بالنفوذ الاقليمي والمصالح الدولية.