بعد عقد اتفاق الهدنة في غزة والتي نتمنى أن يتم تجديده من أجل فتح آفاق أوسع نحو حل شامل يعطي للفلسطينيين حقهم في دولتهم
بعد عقد اتفاق الهدنة في غزة والتي نتمنى أن يتم تجديده من أجل فتح آفاق أوسع نحو حل شامل يعطي للفلسطينيين حقهم في دولتهم، لا بد من التوقف على جملة المواقف الغربية منذ اندلاع النزاع في السابع من أكتوبر الماضي وخاصة انعكاسات هذا الموقف لدى شعوب المشرق ودول الجنوب عموما. فموقف البلدان الغربية المساند لإسرائيل دون شروط مع بداية الحرب في غزة، وخاصة عدم تحركها من أجل وقف إطلاق النار حين بدى واضحا أن الدفاع عن النفس تحول إلى انتقام جماعي، أفقد الغرب عموما مصداقيته في الدفاع عن القيم الإنسانية الكونية لدى الشعوب الأخرى.
لقد وضعت أحداث غزة الموقف الرسمي الغربي في مأزق بسبب تأثير صور القتلى في غزة من المدنيين وخاصة بسبب انقلاب الموقف مقارنة مع الخطاب الذي صاحب الحرب على أكرانيا. فقد أسست الدول الغربية وخاصة أوروبا موقفها على منظومة حقوق الإنسان والقانون الدولي والحرية في الحالة الأكرانية. لكن هذا الأثاث اللغوي غاب تماما في حالة غزة خاصة أمام عدم تكافئ القوى والاستهداف الفاضح للمدنيين وللمستشفيات والمدارس.
ويكمن خطر منطق الكيل بمكيالين هذا، أنه يُستَغل في المجتمعات الشرقية وبلدان الجنوب لا لإدانة الغرب فحسب، بل خاصة للتشكيك في مصداقية المبادئ الكونية ذاتها. ففي العالم العربي على سبيل المثال وخاصة في البلدان التي نجد فيها هامشا من الحريات السياسية مثل العراق وتونس ولبنان، أصبح من الصعب الدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والقانون الدولي. فقد أصبحت هذه القيم بالنسبة للرأي العام السائد مجرد كذبة في أحسن الأحوال، بل يعتبرها البعض خدعة من أجل تدمير الدول. هكذا تسفيد التيارات المحافظة ومختلف الشعبويات وخاصة الأنظمة الحاكمة، في العالم العربي وفي بلدان الجنوب عموما، من مثل هذه الظرفيات. فهي قوس تختفي معه مطالب الحريات ويختفي فيه الوعي المواطني واستحقاقاته.
لقد تحول الغرب من مدافع على قيم الحرية والتحرر وحقوق الإنسان والديمقراطية في العالم، إلى قوة مساعدة على انتشار الشعبويات وفي دعم الأنظمة التسلطية. لكن مهما كان الوضع ومهما كان نفاق الموقف الغربي علينا ألا نشرع للتشكيك في القيم الكونية ولا لحاجة العالم إليها. فالقيم الكونية لا تسقط ولن تسقط لأنها ببساطة كونية وإنسانية، فلا تسقط إلا بسقوط الإنسان، أي نهايته. ما سقط فعلا هو الغرب الرسمي الذي طالما ادعى احتكار تمثيلية الإنسان وقيم الحداثة. فليس له أن ينزع عنا أنسانيتنا وكونيتنا وعقلانيتنا. وإن اخترنا نحن، مواطني العالم، التخلي عنها، فتلك أم الهزائم