يبدو أن تداعيات المواقف الغربية الرسمية من الوضع في غزة لن تقتصر على مسرح الأحداث في الساحة الفلسطينية الإسرائيلية وما يمكن أن تخلفه من تشجيع للحكومة الإسرائيلية على قصفها العشوائي الذي راح ضحيته إلى الآن، مئات المدنيين وغالبيتهم من الأطفال. بل إن وقع هذه المواقف يتجاوز الجغرافيا الشرق أوسطية وحتى الزمن الراهن ليترك أثاره على المخيال الجمعي في خصوص العلاقة بين الشرق عموما والغرب. ولعل أكثر المواقف التي شدت الانتباه منذ تصاعد الأحداث هما الموقفين الفرنسي والأمريكي. فهما الأكثر حضورا في تعاليق العالم العربي على وسائل التواصل الاجتماعي.
لقد كانت هذه المواقف في أغلبها متسرعة وانحازت بالمطلق لما تطلبه الحكومة الإسرائيلية. بل ذهبت أبعد من ذلك بمساندة هذه الحكومة فيما اقترحته من ضرب لقطاع غزة بداعي "استئصال حماس" والحال أن أغلب المستهدفين هي أحياء سكنية بما فيها مقرات وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). وربما يفسر هذا الموقف المساند اللامشروط للدفع نحو الحرب الشاملة في قطاع غزة ما صرح به وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالنت، من قطع الماء والكهرباء وأي نوع من الإمدادات نحو القطاع بما فيها الإمدادات الصحية رغم أن ذلك يعد جريمة حرب من وجهة نظر القانون الدولي.
كما تتالت المواقف الرسمية في هذا الاتجاه من خلال قرار المفوضية الأوروبية نيتها تعليق مساعداتها للفلسطينيين. وهو موقف غريب في الحقيقة دفع الحكومة الإسبانية وبعض الدول الأوروبية الأخرى إلى معارضته. من جهته أعاد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلنك بالمشكل الفلسطيني الإسرائيلي إلى مربع الحرب الدينية عندما قال في زيارته لتل أبيب بأنه أتى أيضا باعتباره يهوديا. أما وسائل الإعلام الغربية فيبدو أن أغلبها انساق وراء هذه المواقف الرسمية وحتى بشيء من المبالغة أحيانا ناسية أن جزءا كبيرا من المواقف التي تم اتخاذها مرتبط برهانات انتخابية قريبة أو لاحقة.
الواضح أن القوى الغربية تريد مواصلة إنكار الواقع في هذا الملف. فالمشكل، حتى من وجهة نظر القرارات الدولية، هو مشكل استيطان أدى إلى التهجير. كما تنكر هذه المواقف بأن عمق المشكل يعود إلى انسداد الأفق لأي حل سلمي في ظل تواصل الاستيطان وتواصل المعاناة اليومية للفلسطينيين. كل ذلك يضرب في العمق مصداقية الغرب عموما في تمثيلية قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والقانون الدولي. وسوف يزيد ذلك من الفجوة بين الغرب والشرق كما سيدعم كل التيارات المحافظة والخطابات الشعبوية خاصة في العالم العربي.