مؤخرا مررت بواحدة من أصعب الظروف المرضية اللي عدت في حياتي. وقعة فانزلاق
غضروفي فضغط على عصب النسا وهو الذي أطلق عليه هذا الإسم لأن ألمه ينسي كل ما هو سواه!
لقيت نفسي بين يوم و ليلة راقدة على ضهري في السرير، مش بس أقل حركة بتسببلي ألم رهيب، لأ ده الألم مستمر على درجة ٩ من ١٠ حتى وقت الراحة، لدرجة اني كنت باسأل نفسي: طب ابطل أرمش، طب يمكن لو بطلت اتنفس شوية،هل وقتها الألم ممكن يقل؟
وبعيدا عن إن الدرجة دي من الألم والشعور بالعجز بتجيب أتخن تخين لمس أكتاف وتحسسه ان إيه، هو فيه إيه؟ كلكم عليا والا إيه؟ ما بالك بأه بأم سينجل مسئولة عن قرد صغنن عنده ٤ سنين. وهي وهو بدون أي دعم عائلي قريب، لا تيتة قريبة ولا خالتو ممكن تيجي مسافة السكة، ولا عمتو حتى هتاخد ميكروباص وتيجي من البلد. ببساطة وكما قال الشاعر، ضهري كان للحيطة، وصاحبتكم كانت داخلة المعركة بدون أي أسلحة!
اللهم إلا متلازمة كده بيصاب بيها الشخص اللي عاش مستقل لمدة من الوقت، سواء مستقل عن العيلة أو في غربة أو لأي ظرف خلاه يعتمد على نفسه فترة طويلة، وهي متلازمة : لا يحك ظهرك إلا ظفرك. الخجل والتوجس والحذر والقلق من طلب المساعدة بيكون جزء لا يتجزأ من المتلازمة دي، غالبا لأن الإنسان بيكون عدى بمواقف كتير من الخذلان من أقرب الأقربين أو التعرض لندالات من كنا نظنهم أصدقاء، أو حتى الوقوع ضحايا لغرباء بيضرونا لمجرد الضرر.
ده غير ان طلب المساعدة في أذهان بعضنا، أو خليني أتكلم عن نفسي، بيديني إحساس أحيانا إن استقلالي بشكل ما ناقص.
لكن بعد شوية لقيت الضغط بيزيد ويزيد ويزيد، وكأن المرض بينزل راسي مع كل ساعة لتحت لحد ما بتلمس أرض الملعب وبيكون مافيش مفر من رمي الفوطة البيضا والخيار الأخير بطلب المساعدة.
والحقيقة ان اللي طلبت منهم المساعدة ما اترددوش، وبالذات الأصدقاء اللي يعتبروا أبعد شوية. يمكن لأن الظروف المثيلة بتخلي فيه فرصة أكتر للقرب، ويمكن لأن الأزمة زي ما بيقولوا كاشفة، بتخلينا نكتشف ان اللي احنا مقربينهم يمكن احنا مبالغين في تقدير مكانتهم، بينما الدايرة الأبعد أحق بالقرب.
أنا لأول مرة اتصل بحد واطلب منه فلوس، مافيش فلوس في البيت ومش قادرة انزل امشي خطوتين لأقرب "إيه تي إم" .
اتصلت بصديق وانا خجلانة وطلبت منه يجيبلي عيش، المخابز اللي حواليا ما بتوصلش والبيت مابقاش فيه كسرة خبز.
اتصلت بصديقة تالتة وطلبت منها تعمل لي أكل وتحطه جنبي على السرير، لأن مشواري من حجرتي للتلاجة وقتها كان أشبه بالسير على حافة سيف مسنون.
الأزمة كانت صعبة وقاسية لكنها كمان حسستني أد ايه كنت مغرورة بقدرتي على تسيير الأمور دون الحاجة لحد. وكأنها لوت دراعي وقالتلي انتي مش بقوة ٧ رجالة في بعض زي ما كنتي بتتظاهري، إنتي مش سوبر هيرو. ومش عيب لما نطلب المساعدة ونمد إيدينا للناس يلحقونا، مش هيقلل مننا ولا من شكلنا قدام نفسنا وقدام اللي بنحبهم.
الناس للناس. والدنيا سلف ودين. ومافيش مانع نمشي رافعين راسنا وعارفين قدراتنا، لكن برضه نكون عارفين انه مش عيب اننا نعترف بضعفنا ونحتضنه ونؤمن بيه ونركن راسنا على كتف ناس بتحبنا وتتمنالنا الخير.
ربنا يعفي الجميع من أي شر، ويسخرلهم أكتاف صديقة يقدروا يتسندوا عليها وقت اللزوم.