يهدف التحليل الحفري إلى دراسة الانتظامات الخطابية (Discursive Formations)، مبتعداً عن البحث عن الاستمرارية التاريخية أو الأصل أو العمق الخفي للأفكار. بدلاً من ذلك، يركز على وصف الخطاب كممارسة تاريخية خاضعة لقواعد محددة، مع إبراز نقاط القطع (الانقطاعات) والاختلافات والتحولات في المعرفة. مكونات الخطاب والانتظامات الخطابية: التركيز الأساسي للتحليل يقع على العبارة (Enunciation)، وهي الوحدة الأساسية للتحليل الخطابي، وليست مجرد جملة أو قضية. يبحث فوكو في كيفية تشكّل الخطاب عبر ستة محاور رئيسية ضمن "الانتظامات الخطابية":

وحدات الخطاب: يرفض التحليل الحفري ربط الخطاب بالوحدات التقليدية كالكتاب أو المؤلف، وبدلاً من ذلك يركز على الوحدات المنفصلة والمتناثرة.
تكوّن الموضوعات: يتم تحديد الموضوعات الخطابية (Objects) بناءً على العلاقات والفوارق التي تنشأ بينها، وليس بالاستناد إلى واقع خارجي مطلق.
تكوّن الصيغ العبارية: وهي أنماط الكلام والوظائف (Functions) التي تحدد من يمكنه التحدث، ومكانة المتحدث، والمؤسسات التي ينطلق منها الخطاب، كما في الخطاب الطبي.
تكوّن المفاهيم: يتم تعريف المفاهيم (Concepts) من خلال شبكة علاقاتها واستخداماتها داخل الحقل الخطابي، وليس بالرجوع إلى أصولها الفلسفية.
تكوّن الاستراتيجيات: وهي كيفية تنظيم وتشكيل المعرفة، وارتباطها بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

طبيعة العبارة ووظيفتها: تتميز العبارة بأنها ذات وظيفة خاصة تمارسها في مجال محدد، وتتحكم فيها قواعد وشروط معينة في الزمان والمكان. ويشير فوكو إلى أن الخطاب يختص بظاهرة الندرة والتراكم، حيث لا يتم الاهتمام بالكمية بل بكيفية تشكل هذه الوحدات الخطابية وعلاقاتها. التحليل الحفري والمقارنة التاريخية: يُقارن التحليل الحفري بين التشكيلات الخطابية المتباينة. وهو لا يهدف إلى إرجاع الأفكار إلى الذات أو إلى وحدة كامنة، بل يهتم بالتمفصل بين النظام والتاريخي (بين القواعد والتحولات). في هذا المستوى، لا يُنظر إلى التناقضات كدليل على فشل العقل، بل كجزء أصيل من نظام خطابي معين. في الختام، يُركز الكتاب على وصف العلاقات بين الأفكار والممارسات التي لا يمكن ملاحظتها مباشرة، وكيفية بناء المعرفة (Knowledge) والعلم (Science) ضمن أطر خطابية محددة تاريخياً واجتماعياً، بدلاً من البحث عن الروابط الخفية أو الأصول القديمة.

حفريات المعرفة