في بلاد بتعتمد ملكية البلد للفرد، ملكية الزوج لزوجته، ملكية المدرسة للطالب، وانتهاءا بتسمية الموظف ب(ابن الشركة). تقدس مجتمعاتنا فكرة امتلاك القوي للضعيف. وإن كان للنماذج السابقة الحق أحيانا في الاعتراض أو إيقاف دائرة الإيذاء المبرر بالملكية إذا زاد عن حده. فإن المعتاد عليه من ادعاء امتلاك الآباء للأبناء، ما بتمنحهمش هذا الحق ولا تلك القوة.
كل كام شهر، أو بالأحرى كل كام أسبوع، ومع وابل من جرائم العنف المنتشرة في المجتمع ، مازالت هناك قضية بتظهر على الساحة من جرائم اعتداء الآباء على الأبناء بتثير الغضب في نفس الرأي العام، وتحتل بؤرة التريند الإعلامي، وتستدعي تدخل المسئولين.
آخرهم حادثة الطفل مينا اللي اتصور أبوه وأمه وهم بيعذبوه ضربا في البلكونة وهو بيصرخ صراخ مرير، وبالصدفة صورتهم إحدى الجارات وانتشر الفيديو فتم القبض على الأب وتحويل الطفل إلى إحدى دور الرعاية، بينما خرجت أمه المشاركة في تعذيبه وهي مستغربة جدا فكرة التصوير، وانتشار الحادثة، وأفورة الناس - في رأيها- في ردود الأفعال. شعارها طبعا هو (ابننا واحنا حرين فيه) (واكسر للعيل ضلع يطلع له ٢٤). أم مينا متضايقة من فكرة التصوير والفضيحة بينما ما عبرتش بكلمة واحدة عن إحساس بالذنب ناحية ابنها اللي هرسته هي وابوه. وكأنه مجرد شيء بدون مشاعر ولا حتى جسد يشعر بالألم. هو مجرد شيء وجد هناك عشان تمتلكه وتأدبه إنشالله حتى تموته .. ابنها وهي حره فيه. من التأديب وحتى الموت.
بالطبع دي مش أول حادثة، تسبقها حادثة الرجل اللي ضرب بناته الاتنين حتى الموت عشان مش راضيين يروحوا الحضانة. والأب اللي شال بنته رماها على الحيطة دماغها اتفشفشت عشان كانت بتزن. والطبيب المحترم اللي قتل ابنه طالب الإعدادي ضربا عشان ماكانش بيذاكر كويس.
ألف مبروك يا دكتور، الواد زمانه بيذاكر في الآخرة، وان شاء الله يطلع من الأوائل عشان تبقى تتفشخر قدام العالم بأملاكك ، بابنك اللي انت حر فيه!.
"ابني وأنا حر فيه". جملة قصيرة، لكنها ثقيلة بكم من العنف النفسي والجسدي اللي بيُمارَس على أطفال لا حول لهم ولا قوة. جملة بتمنح الأهل رخصة مفتوحة للإيذاء، طالما أن "النية" تربية، و"المصلحة" تأديب.
لكن ماذا عن الطفل؟ عن الجسد الصغير اللي بيتلقى ضربات الشحط والشحطة الكبار؟ عن النفس اللي بتُهشَّم باسم المحبة على إيدين شخصيات نرجسية وسادية وغير سوية على الإطلاق؟ ماذا عن العينين المتوسلتين اللي مش فاهمين ليه يُفترض أن الألم يساوي الحب؟
ثم ماذا عن القانون؟!
القانون كالعادة في مسائل حفظ النفس وحماية الضعيف من المتجبر المريض، في ذمة الله.
وبينما في دول العالم اللي دايما بننتقدها لما نزعمه من تفسخ أسري وعائلي يسودها، مجرد انك تصرخ في وجه طفل، ده فعل يستدعي التحقيق إذا تم ابلاغ السلطات عنه.
من المخجل أننا في 2025 وما زلنا بحاجة لنؤكد على أن الأطفال ليسوا ملكية، بل بشر. وأن حب الطفل لا يعني أذيته، بل حمايته. وأن من يبرر الضرب بحجة التربية، يشبه من يبرر الغدر باسم الغيرة، أو القتل باسم الشرف. بس هنقول إيه؟! يبدو ان ٢٠٢٥ بتاعتنا تساوي عصور ما قبل التاريخ عند الناس التانيين..