الأذان قد يكون من أحبّ الأصوات للكثير من الناس. فيه بُعد روحي عميق، وهو يشكّل لحظة فاصلة بين زمنين: زمن الانشغال، وزمن التوجّه إلى الله. لكنه، في نفس الوقت، قد يتحوّل إلى مصدر إزعاج حين يُرفَع عبر مكبّرات الصوت بشكل مبالغ فيه. خصوصًا... في ساعات الفجر الأولى.
شاهدت مؤخرًا مقطعًا يشتكي فيه مواطن من هذا الموضوع، ووجدت نفسي أتفق معه تمامًا. ليس الأذان هو ما قد يزعج، بل الأسلوب الذي يُؤدّى به في أحيان كثيرة، كاستخدام مكبرات الصوت بدرجات عالية جدًا، في ساعات يكون فيها بعض الناس نيامًا بعد عمل ليلي شاق، أو مرضى بحاجة إلى الراحة، أو أطفال عليهم الاستيقاظ باكرًا للمدرسة...
كل هذا لا علاقة له بجوهر الدين، ولا بروح الأذان.
في زمننا هذا، لم نعد بحاجة إلى الصوت المرتفع حتى نتذكّر أوقات الصلاة. لدى معظمنا هواتف ذكية، وتطبيقات، وساعات رقمية، تتيح لكل فرد أن يضبط منبّهه في توقيت الأذان، وبالأسلوب الذي يناسبه.
في نفس الوقت، في زمننا اليوم، تغيرت كثيرا ظروف الحياة ومواعيد العمل والدراسة. لم نعد جميعنا ننام بعد صلاة العشاء ونستيقظ فجرا. هناك أشخاص يشتغلون بدوامات خاصة ومربكة أحيانا: أطباء وطبيبات، حراس أمن، عاملات نظافة، عناصر الشرطة رجالا ونساء، الممرضون والممرضات، العاملون والعاملات في القطاعات السياحية والفندقة وغيرها من المهن التي تفرض مواعيد عمل مختلفة ومرهقة أحيانا. هناك أطفال يستيقظون في الصباح الباكر للالتزام بمواعيد مدارسهم. هناك مرضى يحتاجون للراحة والنوم. هناك أجانب مقيمون أو عابرون..
يمكننا تماما أن نتصور أذانا لصلاة الفجر، بدون مكبر صوت... فهناك اليوم مساجد في كل مكان. وهناك، كما قلنا، هواتف ذكية ومنبهات تساعد المهتمين على الاستيقاظ في مواعيد الصلاة. الاستيقاظ للصلاة... دون إزعاج غير الراغبين فيها.
الدين ليس فرضًا بالصوت العالي، بل اقتناع داخلي. والإيمان لا يحتاج إلى أن يُسمَع على بعد كيلومترات، بل أن يُعاش في السلوك والاحترام والهدوء.
نعم، للأذان مكانته وقدسيته، ولكنه لا يجب أن يتحول إلى مصدر إزعاج. فخشوع الإيمان لا يحتاج إلى صخب… بل إلى هدوء يلامس الروح.