في مطلع هذا الأسبوع، تناقلت وسائل الإعلام في مصر حكاية فتاة في الخامسة عشر من عمرها تجلس إلى جوار "عريسها" المصاب بمتلازمة داون، احتفاء بزواجهما... لاحقا، كشف المجلس القومي للطفولة أنّ الزواج عُقد عرفياً في محافظة الشرقية، خارج أي إشراف قانوني، وأن النيابة العامة بدأت تحقيقاً عاجلاً في قضية انتهاكٍ واضح لحقوق الطفلة بالنظر لسنها، لأن القانون المصري يحدد سن الزواج في ثمانية عشر عاماً.
لو لم تنتشر الواقعة على وسائل الإعلام وتتدخل النيابة والمجلس القومي للطفولة، لكانت الأسرة بالفعل ستقوم بتزويج ابنتها القاصر، بعقد عرفي لا يحمي حقوقها، لشخص مصاب بإعاقة يحتاج هو نفسه لحماية ورعاية خاصة بسببها.
حسب تقديرات رسمية، تتجاوز حالات تزويج القاصرات ربع الزيجات المسجَّلة سنوياً في مصر. وفي هذه الواقعة، نحن أمام بشاعة المتاجرة في حقوق تلك الطفلة وانتهاك أبسط مبادئ الحماية والرعاية لصالحها.
حين تُزوَّج قاصر، فنحن لا نُخرجها فقط من مقاعد الدراسة، بل نُدخِلها قسراً في دور الأم والزوجة قبل أن تكتمل ملامحها النفسية والجسدية. وحين يكون العريس شخصا مصابا بإعاقة كمتلازمة داون، فهذا يعني أيضا أنه يفتقر إلى الأهلية القانونية والنفسية الكاملة. أي أسرة يمكن أن يُكَونها هؤلاء؟ ألا تحق متابعة الوالدين في هذه الحالة؟
البعض برّر المشهد بحجة "الستر" للفتاة أو "الرحمة" للشاب، وكأن الرحمة به لا تتحقق إلا بالاعتداء على حقوق طفلة.
القضية اليوم على مكاتب النيابة، لكن ضمير المجتمع كله على المحك. إذا توقّف غضبنا عند حدود هاشتاغ عابر، ستتكرّر المأساة غداً بأسماء جديدة.
واجبنا اليوم أن نسأل: أين مؤسسات الدولة لحماية حقوق هؤلاء الأشخاص الذين يحتاجون لرعاية؟ متى سنعي، كأفراد وكمجتمعات، أن الزواج مسؤولية صعبة لا تقدر عليها بنت الخامسة عشر، لأن الزواج ليس فقط قدرةً على النكاح كما يقول بعض فقهائنا، بل هو مسؤولية أسرة.
قبل أن نُدخِل طفلةً إلى بيت زوجية مبكر، أو ندفع شاباً ذا إعاقة إلى علاقة غير متكافئة، دعونا نتذكّر أن حماية الطفولة وحماية كرامة وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة هي معايير أساسية نقيس بها إنسانيتنا وتحضرنا.