سفر التثنية، الإصحاح الثالث والعشرون✝️ – عدد الآيات 25.
في هذا الاصحاح من سفر التثنية، نُطلّ على مجموعة من الأحكام التي قد تبدو قاسية أو غريبة من منظورنا اليوم، لكنها تكشف عن مقاييس إلهية تهدف إلى الحفاظ على قداسة الجماعة ونقاوتها، روحيًا وأخلاقيًا. فالدخول إلى "جماعة الرب" — أي الاشتراك في امتيازات شعب الله — لم يكن متاحًا للجميع، بل وُضعَت حدود واضحة. المخصيّ، وابن الزنى، والعَمّوني والموآبي كانوا ممنوعين من الانضمام، ليس بسبب الكراهية، بل بسبب خلفياتهم أو مواقف تاريخية معادية، مثل رفض موآب وعمّون لإعالة بني إسرائيل في البرية، واستئجارهم بلعام ليلعنهم.
في المقابل، يُظهر النص تمييزًا لافتًا في الرحمة، إذ يُسمح لأبناء الأدومي والمصري بعد الجيل الثالث بالانضمام، تقديرًا لعلاقة القربى أو لأن إسرائيل عاش نزيلاً في أرضهم. حتى في الحرب، يُؤمر الجنود أن يحفظوا أنفسهم من النجاسة، ويُسنّ قانون للنظافة الجسدية في المعسكر، لأن الرب يسير في وسطهم، ويجب أن تكون المحلّة مقدسة.
ويُفاجئنا النص بقانون غير متوقع: إذا هرب عبد من سيّده ولجأ إلى أحد، فلا يجوز تسليمه أو ظلمه، بل يُسمح له بالعيش حيث يشاء، في تعبير إنساني عميق عن الحرية والحماية.
ثم تأتي سلسلة من القوانين الأخلاقية والمالية: تحريم الزنا والدعارة حتى في علاقتها بالعبادة، رفض تقديم أي مال نجس إلى بيت الرب، تحذير من الربا بين أبناء الشعب (مع جوازه مع الأجانب)، والحرص على الوفاء بالنذور. حتى في أبسط الأمور، كأكل العنب أو قطف السنابل من حقل القريب، هناك ضوابط: يمكنك الأكل ما شئت بيدك، لكن لا يجوز أن تجمع أو تستخدم أداة للحصاد.
هذه الشرائع، بكل تفاصيلها، ترسم صورة لشعب مدعوّ لأن يعيش مكرّسًا، نقيًّا، عادلًا، ومحبًّا للحق — في حضرة إله يسكن وسطه.
تابع إذاعة صوت الحياة والامل على: إنستغرام، يوتيوب، فيسبوك، وتك توك.