اخيراً طرح البيت الابيض خطته بشأن الخروج من الحرب في أوكرانيا، وتبدو بنودها بالكامل في صالح الكرملين، وأبرز ما تنص عليه هو الاعتراف الأمريكي بضم روسيا لشبه جزيرة القرم ورفع العقوبات المفروضة على روسيا تدريجياً. لكن الواضح أن أوكرانيا لن تحصل على أي مقابل مهم: عضوية الناتو مرفوضة، والضمانات الأمنية من واشنطن غير موجودة. أما المناطق الإدارية الأربع في الشرق والجنوب التي استولى عليها الجيش الروسي، وضمتها موسكو، ولكنها لم تسيطر عليها بالكامل، فمن المتوقع أن يحدث تجميد للصراع حول خط المواجهة الحالي. وتتظاهر موسكو بذكاء بأنها عملية" تبادلية" من خلال عدم المطالبة بالسيطرة الكاملة، وتتباهى واشنطن بانها ستطلب من موسكو وقف عملياتها. وفي الخلاصة تحول الخطة الامريكية أوكرانيا إلى فريسة أكثر عرضة للخطر في المستقبل.
والأدهى من ذلك ان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يتحدث في مقابلة مع وسيلة إعلام أمريكية عن صفقة مع ادارة ترامب وعن استعداد روسي لإبرامها، وهي من ثمار المفاوضات الطويلة بين سيد الكرملين ومبعوث ترامب الخاص، والأرجح ان تكون فيها بنود غير معلنة حول تعاون اقتصادي أمريكي- روسي على حساب أوكرانيا ومواردها وأبرزها المعادن النادرة.
في موازاة الطروحات السياسية، لا يزال الوضع الميداني مضطربا مع استمرار حرب الاستنزاف التي قال ترامب في احد تصريحاته انها تكلف خمسمائة جندي كل اسبوع . وفي آخر التفاصيل عدا القضم الروسي البطيء للأراضي الاوكرانية شرقاً وجنوباً، وعمليات القصف اليومي التي تطال المدنيين، كان من اللافت حصول عملية اغتيال لجنرال روسي كبير بالقرب من موسكو وهو يشغل مركز نائب مدير العمليات العسكرية.
هكذا تجد أوكرانيا نفسها تحت الضغوط المزدوجة لقنابل روسيا وسهام دونالد ترامب الذي يعتبر ان تخلي فلاديمير بوتين عن السيطرة على أوكرانيا بأكملها تنازلاً كبيراً. تشيد به واشنطن وتقدر ما تسميه انضباطاً، بينما تتم ادانة أوكرانبا - الضحية ويطلب منها دفع الثمن لانها عنيدة في الدفاع عن سيادتها.
يستغرب دبلوماسي أوروبي كبير ان تصل الأمور إلى هذا المنحى ويجزم: "لا يمكننا أن نؤيد اتفاق ميونيخ بشأن أوكرانيا"، في إشارة إلى اتفاق عام 1938 الذي قسم تشيكوسلوفاكيا لصالح ألمانيا النازية.
المطلوب من فلوديمير زيلينسكي اميركيا ان يسلم بخسارة شبه جزيرة القرم، لكن ذلك يتناقض مع مقولة واشنطن في ولاية ترامب الاولى ورفضها في 2018 الاعتراف بسيادة روسيا على القرم ، علماً ان خطوة من هذا النوع تعني تشريعا له مفعول رجعي لحرب بوتين في أوكرانيا.