يبقى رمضان في مصر شهرًا مميزًا يجمع بين العبادة والفرحة، حيث تضيء أنواره القلوب قبل الشوارع، وتُحيي روح المحبة والتكافل بين الجميع.
ومع الوقت والزمن ونتيجة لرغبة أهل البلد الفطرية في إضفاء المباهج على كل المناسبات، فقد أصبح رمضان مربوط بأكتر من ملمح من ملامح البهجة اللي بدأت هنا، أو بدأت في مكان تاني لكننا احتضناها وطورناها ودلعناها وخلينا ليها طعم وشكل مميزين.
منها مثلا فكرة فانوس رمضان، واللي هو تقليد بدأ من قرون طويلة لما الناس خرجوا لاستقبال والي فاطمي في عز الليل فكان من الطبيعي انهم ياخدوا معاهم المشاعل والفوانيس، ولما كان إن اليوم ده صادف ليلة رمضان، فخلاص تم اعتماد العلاقة بين الفانوس وبين رمضان، ثم ضمينا عليه الزينة الورقية، ثم الليد والأنوار، وأصبح قدوم رمضان إيذانا ببدء أمواج من الأنوار الملونة تحتضن الشوارع في كل مكان.
فكرة ثانية زي فكرة المسحراتي وطبلته وندائه: اصحى يا نايم وحد الدايم. كان نداء لصلاة الفجر، ثم تطور ليكون نداء لتحذير الناس بقروب الفجر عشان يلحقوا يتسحروا، ثم أخذه المصريين فدلعوه وجابوله طبلة وألفوله الأغاني وخلوه أحد مظاهر الاحتفال برمضان.
نيجي بأه للمظاهر الحديثة:
فهتلاقي عندك الخيم الرمضانية، اللي بتقام في الفنادق والمقاهي الكبرى ومعاها عروض موسيقية وسهرات فنية، وعندك عزومات رمضان اللي هي بتضرب الهدف من الصيام أصلا والإحساس بالفقراء في مقتل بما تضمه موائدها من المحمر والمشمر، بس وماله، أهو تجمع عيلة وتكافل برضه مش معترضين.
و هتلاقي حاجة مثلا زي المسلسلات اللي تم خلق موسم جديد ليها مرتبط برمضان، بدافع إن الناس بعد ما بتفطر بينسحب الدم كله من راسها لمعدتها، فدي مناسبة سانحة لعرض القليل من الدراما والكثير من الإعلانات للشخص المتخم بالأكل الموخم المستعد لتلقي أي فكرة أو سلعة تعرضها قدامه بالاستحسان بما يشبه عملية التنويم المغناطيسي.
لكن الظاهرتين بأه اللي أنا مش فاهمة ليه ربطناهم بالشهر الكريم هم: أولا:برامج النميمة على الفنانين، واللي هي برامج بيصر اللي بيقدمها أو اللي بتقدمها على إحراج الضيف أو إحراج أيا كان اللي كان على علاقة معاه، عن طريق نشر الغسيل غير النظيف لأي خلاف بينه وبين أقرب الناس ليه، واللي هو تقليد فيه تضاد صارخ مع أجواء شهر الرحمة والمغفرة، أو حتى شهر البهجة زي ما حولناه، لكنه تقليد مستمر كل سنة منذ تمانينات القرن الماضي وحتى الآن.
أما الظاهرة التانية: فهي موضوع البومب والصواريخ. اللي هو يا ابني يا حبيبي، ربنا أنعم عليك بأحد البؤر الاستثنائية اللي مش مولعة في المنطقة، وحاميك من الحرب ومن توقع القصف في كل لحظة في يومك، عشان تقل عقلك و تخلي الناس تنط في الشارع خوفا من بومبة تفرقع تحتهم، أو صاروخ ناره تمسك في هدومهم؟. والمذهل إن بعض العيال دي بيعملوا كده بتشجيع من أبهاتهم المصابين بالمراهقة المتأخرة وتهليلهم من البلكونات.
مش عايزة أدعي عليكم وعلى ولادكم في الشهر المفترج ده، بس حقيقي حقيقي: كل داء له دواء، إلا الحماقة أعيت من يداويها. يا رب تقدروا بهجة الشهر، بدون قلة عقل ودين. وكل سنة وأنتم طيبين.