في بعض الأحيان بتحصل حادثة ما بتزلزل الوعي الجمعي للناس. على الرغم من كل اللي بنشوفه من مشاكل وحوادث وقضايا، وعلى الرغم من إحساسنا أحيانا إننا خلاص شوفنا كل حاجة وماعادش فيه حاجة ممكن تخضنا أو تدهشنا، تيجي مجموعة ظروف تخلق حادثة ليها ضحية أو ضحايا بتخلي قلوبنا تطلع لحناجرنا، وتصدمنا وتخلينا مضطرين ننام ونصحى بصور حقيقية أو مختلقة من خيالنا خاصة بالحادثة دي بالذات.
لكن في أحيان تانية بيكون الشيء اللي بيسبب الصدمة أكتر من الحادثة نفسها، هو اللي بيحصل بعدها.
زمان مثلا كان حادث فتاة العتبة، لما بنت في وسط الزحام تم التحرش بيها بطريقة فجة وكان رد الفعل اللي صدمني وقتها من الناس هو تركيزهم على طريقة لبسها.
بعدها بشوية كتير البنت اللي اتعرت في إحدى مظاهرات التحرير، ودي كانت بداية انتشار الجملة الحقيرة: إيه اللي وداها هناك؟
بعدها بشويتين كانت حادثة نيرة أشرف، البنت اللي اندبحت قدام باب جامعتها على إيد زميلها المتربص بيها من مدة طويلة، ورد الفعل الصادم كان في إن فيه جروبات وصفحات تم إنشاءها على مواقع التواصل الاجتماعي فيها أعضاء بالألاف بتعتبر قاتلها شهيد الحب والخذلان.
أجدد هذه الحوادث الصادمة وردود الفعل عليها اللي صدمتني أكتر، هي حادثة اكتشاف بنت محبوسة ومقيدة بالجنازير في بيت عمها لمدة ٦ سنين. البنت اتجوزت ثم حصل خلافات بينها وبين زوجها فاتطلقت و هي عندها ١٩ سنة، فأهلها، أو بمعنى أصح رجالة عيلتها: أبوها وعمها وأخوها، قالوا الله! دي اتطلقت ليه دي؟ ده أكيد فيه إنه؟ طب نحل الموضوع ده إزاي يا ولاد؟، بسيطة نكتف البنت بجنازير ونحبسها في أوضة لمدة ٦ سنين، إتقاءا للفضيحة.
فضيحة إيه يا ولاد؟ اللي احنا شاكين فيها. طب وده هيحل إيه من المشكلة؟ مش عارفين، بس أهو نحبسها لحد ما نفكر. مين اللي افتكر البنت بأه بعد ٦ سنين؟ .. أمها. قدمت بلاغ والبوليس لقى البنت فعلا. تخلص الصدمة لحد كده؟ .. لا والله .. بعد استدعاء الرجالة الأشاوس والتحقيقات بيتم التنازل عن المحضر والتصالح بين جميع الأطراف. التصالح في جريمة خطف وحبس وشيء لا تقبله النفس البشرية ولا الحيوانية حتى والله و ده لأن القانون المصري مافيش فيه مواد بتحمي ضحايا العنف المنزلي. بل إن فيه مادة موضوعة من التلاتينات تقريبا بتقول إن العلاقة بين أفراد الأسرة والولي بيحكمها الشرع، وإن رأى الولي إن أحد أفراد الأسرة لازم يتحبس وتقيد حركته أو يعنف طالما ده عشان مصلحته يبقى عادي، القانون والشرع بيقولوا عادي.
في ٢٠٢٤ بيقولوا عادي، بعد انتهاء العبودية من العالم بيقولوا عادي، وحتى الرأي العام لما تسأله يحط الناس إيديهم على وشوشهم ويقولوا ما احنا ما نعرفش الفضايح اللي كانت البنت دي أو أي بنت زيها ممكن تعملها لأهلها، إن الله حليم ستار.
وهكذا تتوالى الصدمات، صدمة ورا صدمة، الأول صدمة الحادث والجريمة، أما بعد فتأتي صدمة رد الفعل المجتمعي وتقصير الوضع القانوني، والاستعانة من الشريعة بما يجعل الأمر يستمر ويستمر ، ويظل الافترا والظلم والعنف والاستقواء على الضعيف مستمر بمباركة الجميع.