في بوست على أحد مواقع التواصل الاجتماعي يحكي صاحبه عن تجربة اعتبرها مرعبة، كان الرجل على ميعاد لأداء مقابلة للالتحاق بعمل جديد، المفترض في الحالة دي إنك بتدخل مكتب تقابل أحد أعضاء شئون العاملين أو اللي بيسموا حاليا بال (إتش آر). أو على أقل تقدير فانت بتقابل الإتش آر ده من على بعد عن طريق الإنترنت . بيسألك عن إمكاناتك وتاريخك الوظيفي وهتضيف إيه للشركة الجديدة وشايف نفسك فين بعد خمس سنوات و كل هذه النوعية من الأسئلة اللي خلاص اتعودنا عليها وبقت من الضرورات للالتحاق بأي وظيفة في أي مكان.
الجديد إن المرة دي صاحب البوست بيحكي إن اللي قام بالمقابلة معاه ما كانش شخص حي، وإنما كان برنامج من برامج الذكاء الاصطناعي أو ال (إيه آي). في الأول المتقدم للوظيفة ماصدقش، من كتر ما كانت أسئلة وردود واستجابات اللي بيكلمه كلها بتقول إنه كائن بشري، لكن بعد شوية أخد ورد اكتشف إن اللي بيقوم معاه بالمقابلة مجرد برنامج، وهو ما يعني إن الذكاء الاصطناعي استولى على شغلانة جديدة من شغلانات البني آدمين، وأصبح على المشتغلين بالمجال ده إنهم يعدوا نفسهم قريب جدا لإنهم هيتم الاستغناء عنهم وهيضطروا يبحثوا عن مجال عمل جديد.
والحقيقة إن الموقف ده هيتكرر كتير، كل يوم الصبح هيتم تطوير برنامج في مكان ما في العالم ليحل محل البشر في مجال جديد، في شكل من أشكال التطور أسرع وأقسى مما كنا نتخيله وما مريناش بيه كبشر من قبل ولا حتى أيام الثورة الصناعية لما بدأت الماكينات تحل محل العمال والفنيين.
ومع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي ملايين من البشر هيتنقلوا من وظيفة للتانية ومن مجال للتاني غير قادرين على سباق الذكاء الاصطناعي ولا عن إيقافه عن سرقة المزيد من أشغالهم، وسيُترك البشر في يوم ما بدون حاجة مهمة محتاجين ينفذوها بإيديهم أو يفكروا فيها بعقولهم، مما يمهد الطريق لعصر قريب هتسيطر عليه ثقافة الولا حاجة. مش محتاجين نشتغل مش محتاجين نفكر، ومش قادرين نكسب قوت يومنا بنفس الطريقة اللي كنا بنكسبه بيها لآلاف السنين.
بالفعل الثقافة دي موجودة حاليا، بنشوف على وسائل التواصل الاجتماعي كلها، ناس كتير، ملايين في كل أنحاء العالم بيكسبوا قوتهم من الولا حاجة، فيديوهات مقالب، فيديوهات تنضيف وترتيب البيت، فيديوهات لناس بيصوروا نفسهم وهم بياكلوا وده كل محتواهم، وفيديوهات لناس بيطلبوا إن الناس تتبرعلهم بفلوس كده ، بدون سبب، فقط من أجل اللا شيء. كم من الابتذال والرداءة والسطحية واللا معنى بدأت تزحف على حياتنا كبشر، وكل ده و احنا لسه الجزء الأكبر مننا بيروح الشغل وييجي من الشغل، ويشغل مخه ويستعمل عضلاته.
ما بالك بعالم قادم مش هنحتاج فيه نعمل أي حاجة من دي. عالم هيكون فيه الانتصار للأتفه، والكسب للأغبى ، والسبق لمن احترف الولا حاجة وأجادها أكثر من الولا حاجة بتاعة الآخرين.
عالم ما اتمناش إني أفضل عايشة لحد ما أشوفه، لكن بالسرعة اللي بتتطور بيها الأشياء، يبدو اننا لازم نستعد عشان كلنا مش هيكون لنا لازمة ولا هدف ولا لحياتنا أي معنى عن قريب.