يبهرني دائما إصرار البعض على ربط الدين الإسلامي بالقسوة والفجاجة وانعدام الرحمة، يؤلمني تفاخرهم بآراءهم وإصرارهم عليها، لكن لا شيء يؤلمني أكتر من أن يصدر هذا الربط وذلك التفاخر ممن يحسبون على الدعوة إلى الدين.
كل كام شهر وأحيانا كل كام أسبوع تتصدر ما يطلق عليها (فتوى) واللي هي ببساطة كلام صادر عن شخص له خلفية تعليمية مرتبطة بمؤسسة دينية ما، وتتتصدر الفتوى دي التريند عن استحقاق، وده عشان غرابتها، أو تنافيها مع المنطق والأسوأ تضادها مع قواعد الإنسانية والرحمة.
ودايما بسأل نفسي سؤال بلا إجابة: هل الشخص المعمم أو خريج الأزهر أو المنخرط في التعليم الديني بأي شكل مش مدرك ثقل الكلمة اللي بتخرج من بقه؟ مش حاسس تأثيرها؟ مش مقدر توابعها؟ مش عارف إنه مش بس هيشيل ذنب اللي بيتبع فتواه، لكن كمان هيشيل تبعات إظهاره للدين بشكل ينفر البعض منه؟
هذا الأسبوع مثلا شهدنا واحد بيطلق عليه "شيخ" يفتي لمتصلة بإنها ترمي قطتها في الشارع وإن حرام، أكرر حرام، (مش مكروه مثلا ولا غير مستحب) ، إنها تصرف عليها جنيه واحد، وانبرى "الشيخ" في محاولات إقناع صاحبة القطة إن القطط مخلوقة عشان تعيش في الشارع وإن الفلوس اللي بتصرفها عليها أولى بها فقراء المسلمين.
لو كنت من المتصلة لكنت سألت الشيخ عن الفلوس اللي بياخدها من معلنين برنامجه التليفزيوني، وعن حريته في التصرف فيها، وعن عباءته الغالية وساعته باهظة التمن وسيارته الفارهة، وهل في صرفه على الحاجات دي أي حرمانية؟، وهل فلوسهم أولى بها فقراء المسلمين، والا هو لأنه شيخ ليه ميزان مختلف؟
سؤالي التاني للشيخ كان هيكون: ليه يا شيخنا الحبيب مصمم تشوه وجه الدين وتصوره للناس على إنه مرادف للقسوة وانتفاء الرحمة؟.
مش ده نفس الدين اللي أحد شيوخه كان يدعى (أبو هريرة) لأنه كان بيعطف على القطط وشايل واحدة دايما في كمه؟ ، مش هو ده نفس الدين اللي واسى رسوله طفل صغير مات عصفوره، وما سمعناش في الحكاية إنه قاله وإنت أصلا كنت بتصرف عليه ليه ما كنت ترميه في الشارع؟
مش هو ده نفس الدين اللي ذكر من خلاله حديث شريف بيقول (في كل ذات كبد رطبة أجر؟) ، مش هو ده نفس الدين اللي وصف في كتابه المقدس الحيوانات إنهم (أمم أمثالكم؟) .
مش هو ده نفس الدين اللي انت اقتطعت جزء من مروياته عشان تثبت بيها وجهة نظرك ، لما قلت للمتصلة إن فيه امرأة دخلت النار لأنها حبست قطة فلم تتركها تأكل من خشاش الأرض، وأغفلت الجزء الأول من المروية اللي بيقول (لا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض) ولم تنكر المروية على الست إطعامها للقطة لو ده كان اختيارها؟
ليه يا عم الشيخ تأييف النص على مزاجك؟ وليه الفتوى بحرمانية فعل راقي زي تربية و العطف على الحيوان؟ وليه الإصرار على تشويه وجه الدين وإشاعة إنه دين قلوب متبعية كالحجارة أو هي أشد قسوة، دين بيدعوا شيوخه إن القرب من الله يكون بالتخلي عن الرحمة؟