مؤخّرا قرأت لائحة على موقع إكس عن الدول الأعلى في مؤشّر السعادة بعنوان (تقرير الحالة النفسيّة في العالم 2023)، وهي لائحة من وجهة نظري غريبة، ومثيرة للاهتمام، وعلّق مَن نشرها قائلًا: "هذا يعني أنّ السعادة ليست دائمًا مرتبطة بالوضع الاقتصاديّ". قد يكون هذا صحيحًا، ولكن إلى أيّ حدّ؟ كيف يمكننا قياس السعادة؟
اللائحة جعلت الحالة النفسيّة للدول الفقيرة أفضل من الدول الثريّة. قد يكون هذا صحيحًا إن قارنّا بين مشاعر شخص يعيش حياة صاخبة، وسعيدة في "الپيرو"، وبين شخص يشعر بالاكتئاب، والعزلة في دولة اسكندنافيّة، ولكن كيف أصبح مزاج مَن يعيش في اليمن أفضل من الذي يعيش في بريطانيا؟ إن كان الشّعب أغلبه بدون مرتّبات، وهناك أقلّيّة ثريّة، ولكنّهم بكلّ الأحوال نسبة قليلة جدًّا، بينما الأغلبيّة يعانون هذا عدا عن أنّ حتّى مَن لديه المال يعاني من سوء الخدمات، والخوف من اندلاع حرب. إذن تجب هنا دراسة وجود الحدّ الأدنى من أساسيّات الحياة، وعدم توقّع أنّ الشّعب الذي لديه حياة اجتماعيّة، وتكافل هو دائمًا أكثر سعادة من الشّعوب التي ليس لديها ذلك. الأمر نسبيّ.
وأنا أدرس السويديّة تعرّفت على فتاة من دولة عربيّة، وهي من الأقلّيّات الدينيّة، كانت هذه الفتاة تشعر بالبؤس، وليست سعيدة في السويد. نعم السويد أكثر أمانًا من بلدها، زوجها يعمل أي أن وضعها أفضل من لاجئين آخرين بدون عمل، وبدون شريك يعمل، وربّما هناك أمان مادّيّ أكثر من بلدها، ولكنّها كانت تعيش حياة متوسّطة في بلدها. في السويد هي لا تشعر بالاستقرار، بلدها يختلف تمامًا حيث أنّ شعب بلدها معروف بأنّه سهل المعشر، والحياة الاجتماعية في بلدها مهمّة جدًّا، وصاخبة بعكس حياة السويد الهادئة، والتي يعاني الكثير من المهاجرين فيها من صعوبة الانخراط مع المجتمع، ومن العزلة. في هذه الحالة نعم هذه الفتاة ليست سعيدة، ولكن هل هي أكثر سعادة في بلدها؟ نعم، ولكنّها تفضّل السويد لأنّ هناك احتياجات أهمّ رغم أنّها ليست سعيدة، مقياس سعادتها أن ترى حياة أفضل لأبنائها، وليس لها.
هذا يجعلنا نطرح تساؤلا، هل كلّ هذه اللوائح التي نقرأها كلّ يوم مقياس حقيقيٌّ من الممكن الاعتماد عليه؟ من وجهة نظري أنّ من الصعوبة، أو المستحيل قياس السعادة، فالسعادة نسبيّة، ولكن بدون وجود أساسيّات الحياة تصبح السعادة صعبة.