غالباً، نحن اللبنانيين، ما يمدحنا الأجانب، أو حتى نمدح نحن أنفسنا، بالقول إننا خلاقون وموهوبون أكثر من العادة، بسبب الشدائد التي مررنا ونمر بها، والتي جعلتنا مصرّين على الحياة والعطاء وعلى الرؤية الى العالم من منظار مختلف.
يأتي هذا المديح من قناعة سائدة بأن المعاناة جوهرية في التعبير الفنّي. ولكن، هل من الصحيح أن حياة بلا مشاكل ومعاناة تعني نهاية الإبداع؟ هل يجب علينا أن نعاني لكي نكون خلاقين، أم أن هذه أسطورة نضحك بها على أنفسنا للحصول على شيء من العزاء في الأوقات الصعبة؟
شخصياً، أرفض فكرة أن المعاناة هي محفز ضروري للتعبير الفني والأدبي ذي القيمة. أرفضها لسببين، الأول عام، والثاني شخصي.
أما السبب العام، فهو واقع أن العديد من الفنانين والمبدعين قد استمدوا إلهامهم من لحظات الفرح والجمال والحب. فالإبداع لا يقتصر على تجربة واحدة؛ بل هو انعكاس للتجارب الإنسانية في مجملها. علاوة على ذلك، فإن الفكرة التي تفيد بأنه يجب على المرء أن يتحمل الألم من أجل إنتاج عمل ذي مغزى وقيمة يمكن أن تؤدي إلى مفارقة خطيرة. قد تفضي هذه العقلية إلى إضفاء هالة من الرومانسية الزائدة على المعاناة، مما قد يشجع البعض عن غير قصد على البحث عن تجارب مؤلمة باسم الإبداع. يمكن أن يؤدي هذا إلى حلقة مفرغة سامة، حيث يشعر الشخص بأنه مضطر لتحمل الصعوبات من أجل تعزيز عطائه الفني، مما قد يؤدي في النهاية إلى سلوكيات مدمرة للذات.
أما السبب الشخصي وراء رفضي لهذه الفكرة، فهو واقع أنه قد طفح كيلي من تمجيد البعض لمعاناتنا اللبنانية وتمسّكهم بهذه المعاناة كمصدر لمواهبنا. كفانا عنفاً وخوفاً وقلقاً وحروباً ومجهولاً. سنظل موهوبين وخلاقين، صدقوني، حتى في زمن الأفراح والازدهار والراحة.
بدلاً من الإصرار على فكرة أن الحياة المثالية، أو المطمئنة في الحد الأدنى، تعادل نهاية الإبداع، حري بنا الإسهام في نشر فكرة أن الإبداع يزدهر في توازن الثنائيات، وأنه يمكن للفن والأدب أن ينبثقا بنفس القوة من جمال الحياة، كما من نضالاتها.