قرأتُ مؤخراً جملة للفيلسوف الفرنسي جيل دولوز أعجبتني جداً، يقول فيها: "السلطة تريدنا تعساء لأن الناس التعساء تسهل السيطرة عليهم. الفرح مقاومة لأن الفرح لا يستسلم. الفرح، في كونه قوّة حياة، يأخذنا الى أماكن يستحيل أن تأخذنا إليها التعاسة".
أعجبتني هذه الجملة لأني، ربما، رأيتُ فيها مخرجاً ما، ولو بسيطاً أو حتى تبسيطياً، من النفق الذي نحن عالقون فيه اليوم في هذه البلاد. نفق من الرعب المستمر، والتهويل المستمر، والقلق المستمر، والموت المستمر. المجهول ينهشنا، والهموم تتأكّلنا، وتهديدات الحرب تحاصرنا من جميع الأنحاء، نحن الذين لم تنتهِ أصلاً حروبنا الصغيرة ولا الكبيرة، لا الداخلية ولا الخارجية، لا المعنوية ولا الملموسة، لا الفردية ولا الجماعية.
الفرح، إذاً. ولكن أين نجد الفرح يا مسيو جيل؟ أين نبحث عنه، حتى قبل أن نجده؟ أفي أرواحنا المنهكة من فرط الجزع والخيبات والضربات المتتالية؟ أفي عيون الأطفال الذين لا يعرفون ما إذا سوف يستيقظون في الغد؟ أفي وجوه الآباء والأمهات الذين يودون لو يصرخوا: "كفى!"، ولكن حتى الـ "كفى" هذه يعتبرها البعض ترفاً ممنوعاً، والبعض الآخر كُفراً وعمالة؟ أنضحك على أنفسنا ونخترع الفرح من لا شيء، من غبار حزننا الأسود؟
نحن نحاول، صدقني، نحاول يومياً اختراع الفرح بالقوّة، لكننا، غالباً، لا ننجح. فالواقع الظالم الذي نعيشه لا يتيح لنا حتى فسحة صغيرة لنمارس فنّ الإنكار. وهل من فرح، حتى في أحسن الظروف، بلا قدرة على الإنكار؟ وحتى عندما "تزبط" معنا ونفرح هنيهة، نتذكّر فوراً تعاستنا وتعاسة من حولنا ونشعر بالذنب، أو بالغباء، أو بالاثنين معنا.
صحيح، الفرح مقاومة. لكنه يتطلب شروطاً بديهية، أوّلها وجود نقطة ضوء ما في الأفق. تعال حدّق معي يا سيد دولوز في أفقنا، لعلك تراها، هذه النقطة، وتدلنا عليها.
فنحن، ها هنا، لا نرى سوى العتمة.